للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحجّةُ مَن ذهب هذا المذهبَ في الثياب وفي حيطانِ البيوتِ وغيرِها؛ حديثُ ابنِ شهابٍ وغيرِه، عن القاسم بنِ محمد، عن عائشة، قالت: دخَل عليَّ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنا مُستَتِرةٌ لا بقِرام فيه صُوَرٌ (١)، فتلَوَّن وجهُه، وتناوَل السِّترَ فهتَكَه، ثم قال: "إنَّ من أشَدِّ الناسِ عذابًا يومَ القيامةِ الذينَ يُشَبِّهون بخَلقِ اللَّه" (٢).

وروَى نافعٌ هذا الخبر، عن القاسم بهذا المعنى، وزاد أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنَّ البيتَ الذي فيه الصُّوَرُ لا تَدخُلُه الملائكةُ" (٣). وقد ذكَرنا هذا الخبرَ من طُرقٍ في باب نافع من كتابنا هذا، وذكَرنا هناك اختلافَ ألفاظِ ناقِليه، وأنَّ زيادةَ مَن زاد فيه من الثِّقات الحُفّاظ إباحةَ ما يُتوَسَّدُ من ذلك ويُرتفَقُ به ويُمتهَنُ، يجبُ قبولُها، وإن كان ظاهرُ حديثِ مالكٍ في ذلك كراهيةَ عموم الصورِ على كلِّ حال، وإلى ذلك ذهب ابنُ شهاب، وهو راويةُ الحديثِ والعالمُ بمَخرِجه.

ذكر ابنُ أبي شيبة (٤)، عن عبدِ الأعلى، عن مَعمَر، عن الزهريِّ: أنه كان يكرَهُ التَّصاويرَ ما نُصِب منها وما بُسِط.

وكان مالكٌ لا يَرى بذلك بأسًا في البُسُط والوَسائِد والثِّياب على حديثِ سهلِ بنِ حُنيف هذا، إلّا ما كان رَقْمًا في ثوب (٥). وقد ذكَرنا مذهبَ مالك في الصورِ والتَّماثيل على كلِّ حال، ومذهبَ سائرِ فقهاءِ الأمصار فيها، في باب إسحاقَ بن أبي طلحةَ من هذا الكتاب (٦)، فلا وجهَ لإعادةِ ذلك هاهنا، ونذكُرُ هاهنا ما جاء عن السلف من الصحابةِ والتابعين في ذلك مما بلَغَنا عنهم، لتتمَّ فائدةُ الكتاب إن شاء اللَّه:


(١) في الأصل: "صورة"، والمثبت من د ٢.
(٢) سلف تخريجه والحديث عليه أثناء شرح الحديث الثالث والسَّبعين لنافع عن القاسم بن محمد.
(٣) هو في الموطأ ٢/ ٥٥٨ (٢٧٧٣) وسلف في الموضع المشار إليه في التعليق السَّابق.
(٤) في مصنَّفه (٢٥٨٠٧)، عبد الأعلى: هو ابن عبد الأعلى البصري السامي.
(٥) نقله عنه ابن رشد في البيان والتحصيل ١/ ٣٣١ (مسألة الصور التي في الرُّقوم).
(٦) سلف أثناء شرح الحديث الحادي عشر له.

<<  <  ج: ص:  >  >>