للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: "فإن غُمَّ عليكم فاقْدُروا له" (١). وحديثُ ابن عباسٍ يفسِّرُ حديثَ ابن عمرَ في قوله: "فاقْدُروا له". وكذلك جعَله مالكٌ في كتابِه بعدَه مفسِّرًا له.

وقد كان ابنُ عمرَ يذهَبُ في قولِه: "فاقْدُروا له" مذهبًا سنذكُرُه عنه في باب حديث نافع من كتابِنا هذا إن شاء الله، ونذكُرُ مَن تابعَه على تأويلِه ذلك ومَن خالفَه فيه، ونذكُرُ هنا كثيرًا من معاني هذا الباب إن شاء الله، ولا قوَّةَ إلّا بالله.

وفي حديثِ ابن عباسٍ هذا من الفقهِ أنّ الشهرَ قد يكونُ تسعًا وعشرينَ.

وفيه أنّ اللهَ تعبَّد عبادَه في الصَّومِ برؤيةِ الهلالِ لرمضانَ، أو باستكمالِ شعبانَ ثلاثينَ يومًا.

وفيه تأويلٌ لقول الله عزّ وجلّ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥] أنّ شهودَه: رؤيتُه أو العلمُ برؤيتِه.

وفيه أنّ اليقينَ لا يُزيلُه الشَّكُّ، ولا يُزيلُه إلّا يقينٌ مثلُه؛ لأنّه - صلى الله عليه وسلم - أمَر الناسَ ألّا يَدَعُوا ما هم عليه من يقينِ شعبانَ إلّا بيقينِ رُؤيةٍ واستكمالِ العدَّةِ، وأنَّ الشكَّ لا يعمَلُ في ذلك شيئًا، ولهذا نهى عن صومِ يومِ الشكِّ اطِّراحًا لإعمالِ الشكِّ، وإعلامًا أنّ الأحكامَ لا تجبُ إلّا بيقينٍ لا شكَّ فيه. وهذا أصلٌ عظيمٌ من الفقْه؛ ألّا يدَعَ الإنسانُ ما هو عليه من الحالِ المتيقَّنةِ إلّا بيقينٍ من انتقالِها.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن غُمَّ عليكم، فأكمِلوا العِدَّةَ (٢) ثلاثينَ يومًا". يقتضي استكمالَ شعبانَ قبلَ الصِّيام، واستكمالَ رمضانَ أيضًا. وفيه دليلٌ على أنّه لا يجوزُ صيامُ يومِ الشكِّ خوفًا أن يكونَ من رمضانَ. وقد ذكَرنا في باب نافع، عن ابن عمرَ، من كتابِنا


(١) حديث ابن عمر أخرجه البخاري (١٩٠٠) و (١٩٠٦) و (١٩٠٧)، ومسلم (٢٥٥٤) و (٢٥٥٥) و (٢٥٥٦) و (٢٥٥٧)، وهو في الموطأ (٦٣٠) و (٦٣١).
(٢) في الأصل: "العدد"، وما هنا من ج.

<<  <  ج: ص:  >  >>