للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو داود (١): وسمِعتُ أحمدَ بنَ حنبل يقول: إنْ شاءَ كفَّرَ بعدَ الحِنْث، وإن شاءَ كفَّرَ قبلَ الحنث.

قال أبو عُمر: وعلى هذا مذهبُ مالك والشافعيِّ وأصحابِهما، وهو الثابتُ في حديثِ عبدِ الرحمن بنِ سَمُرةَ وأبي هريرة، وليس في هذا الباب أعلى منهما، ولا تُقدَّمُ الكفارةُ إلا في اليمينِ باللَّه خاصة.

وقال مالكٌ وجمهورُ أصحابِه إلا أشهبَ: من كفَّرَ عن غيرِه بأمرِه أو بغيرِ أمرِه أجزأَه (٢).

وقال أشهب: لا يُجزئُه إذا كفَّرَ عنه بغيرِ أمرِه؛ لأنّه لا نيةَ للحالفِ في تلك الكفارةِ. واختاره الأبهريُّ (٣)؛ لأنَّ الكفارةَ فرضٌ لا يتأدَّى إلا بنيةٍ إلى أدائه. وهذا قولُ الشافعيِّ وأكثرِ الفقهاء، وقد ذكَرنا هذه المسألةَ في تكفيرِ الرجلِ عن غيرِه في بابِ ربيعةَ من هذا الكتاب (٤).

وكان أبو حنيفةَ وأصحابُه لا يُجيزون الكفّارةَ قبلَ الحِنْث، لأنّها إنما تجِبُ بالحِنْث (٥)، والعَجَبُ لهم أنهم لا تجبُ الزكاةُ عندَهم إلا بتمام مرورِ الحَوْل، ويُجيزون تقديمَها قبلَ الحَوْل من غيرِ أنْ يَرْووا في ذلك مثلَ هذه الآثار، ويأبَون


(١) بإثر الحديث (٣٢٧٧) من سننه بمعناه.
(٢) ينظر: التهذيب في اختصار المدوّنة للقيرواني ٢/ ١٠٨ (١٢٥٦).
(٣) هو أبو بكر محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن صالح التميمي الأبهري، شيخ المالكية العراقيين في عصره، له في شرح مذهب مالك تصانيف، منها "شرح مختصر عبد اللَّه بن عبد الحكم"، توفي سنة خمس وسبعين وثلاث مئة (تاريخ الإسلام ٨/ ٤١٩ وسير أعلام النبلاء ١٦/ ٣٣٢).
(٤) في أثناء الحديث الثالث لربيعة بن عبد الرحمن عن القاسم بن محمد، وقد سلف ذلك في موضعه.
(٥) نقله عن أبي حنيفة وأصحابه ابن المنذر في الأوسط ١٢/ ٢٢٠، والطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٣/ ٢٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>