للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بغَى عليه، وتلك كانت سيرتَه فيهم، رضي اللَّهُ عنه، وعلى هذا جُمهورُ العلماء، وللكلام في هذه المسألةِ موضعٌ غيرُ هذا إن شاء اللَّه.

وقال نُعَيْمُ بنُ حمّاد: قلتُ لسفيانَ بنِ عُيَيْنةَ: أرأيْتَ قولَه: "مَن ترَك الجماعةَ فقد خَلَع رِبْقةَ الإسلام من عُنُقه"؟ فقال: مَن فارَق الجماعةَ خلَع طاعةَ اللَّه والاستسلامَ لأمرِه، وللرسولِ ولأُولي الأمر. قال: ولا أعلَمُ أحدًا عُوقِب بأشدَّ من عُقوبتِهم. ثم قال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآيةَ [المائدة: ٣٣]. هذا في أهلِ الإسلام.

وأما قولُه: "وأن تُناصِحُوا مَن ولّاه اللَّهُ أمرَكم". ففيه: إيجابُ النَّصيحةِ على العامّة لوُلاةِ الأمر، وهم الأئمّةُ والخُلفاء، وكذلك سائرُ الأُمراء، وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ" ثلاثًا، قيل: لِمَن يا رسولَ اللَّه؟ قال: "للَّه عزَّ وجلَّ، ولكتابه، ولرسُوله، ولأئمّة المسلمين، وعامّتهم". وهذا حديثٌ رواه مالكٌ، عن سُهَيْل بنِ أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ كذلك رواه كلُّ مَن رواه عن مالك (١).

وزعَم ابنُ الجارودِ وغيرُه أنَّ مالكًا وَهَم في إسنادِه، لأن سفيانَ بنَ عُيَينةَ رواه عن سُهَيل بن أبي صالح، عن عطاءِ بنِ يزيدَ، عن تمَيم الداريّ (٢).


(١) رواه عن مالك محمد بن خالد بن عثمة عند ابن أبي عاصم في السُّنة ٢/ ٥٢٠ (١٠٩٣)، وعبد اللَّه بن نافع الصاغ عند الطحاوي في شرح مشكل الآثار ٤/ ٧٦ (١٤٤٥)، وعبد اللَّه بن وهب المصري عن ابن عديّ في الكامل ١/ ١٨٠، ١٨٣، ١٨٤، والدارقطني في غرائب مالك كما في تغليق التعليق لابن حجر ٨/ ٥٨، وأحمد بن حاتم بن مَخْشيّ عند أبي نعيم في تاريخ أصبهان ١/ ٢٣٠ (٣٥٦)، أربعتهم عن مالك، به.
وذكر ابن حجر أن الدارقطني أخرجه أيضًا من حديث محمد بن خالد بن عثمة ومعن بن عيسى القزّاز وزياد بن يونس كلهم عن مالك، به.
(٢) وقد ذكر الدارقطني في علله ١٠/ ١١٥ - ١١٧ (١٩٠٥) الاختلاف فيه على سهيل بن أبي صالح، وغيره، وأشار إلى رواية مالك عن سهيل بن أبي صالح ومَن تابعه كالثوريّ، وقال: "والصواب =

<<  <  ج: ص:  >  >>