للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غِيبةٌ ولَغَطٌ وكذِبٌ، ومَن أكثر من القيلِ والقالِ مع العامةِ لم يسلَمْ من الخوضِ في الباطل، ولا من الاغتياب، ولا من الكذِب. واللَّهُ أعلم.

وقد رُوِيَ عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "كفَى بالمرءِ كذِبًا أن يحدِّثَ بكلِّ ما يسمَعُ" (١). ومكتوب في حكمةِ داودَ وفي صُحُفِ إبراهيم: مَن عدَّ كلامَه من عملِه، قلَّ كلامُه إلا فيما يَعنيه. وفي المثل السائر: التقيُّ مُلْجَمٌ (٢). وقد مضَى قولُه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن كان يؤمِنُ باللَّه واليوم الآخرِ فليقلْ خيرًا أو ليسكُتْ" في باب سعيدِ بنِ أبي سعيد (٣)، ومضَى هناك في الصمتِ وحفظِ اللسانِ بعضُ ما يكفي إن شاء اللَّه.

وأمّا قولُه: "وكثرةَ السُّؤال". فمعناه عندَ أكثرِ العلماء: التكثيرُ في السُّؤال من المسائل النوازل والأُغْلوطات (٤)، وتشقيقُ المولَّدات (٥). وقد أوضحنا هذا البابَ وبسَطْناه، وأشبعنا القولَ فيه من جهة الأثرِ في كتاب العلم.

وقال مالك: أمّا نهيُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن كثرة السُّؤال، فلا أدري أهو الذي أنهاكم عنه من كثرةِ المسائل، فقد كره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المسائل وعابها، أم هو مسألة الناس؟


(١) أخرجه مسلم في المقدمة بإثر الحديث (٤) من حديث حفص بن عاصم عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، وقد سلف بإسناد المصنّف مع تخريجه في المقدمة (باب بيان التدليس ومَن يُقبل نقله. . .).
(٢) عزاه أبو عبيد القاسم بن سلّام في كتاب الأمثال له، ص ٤٠ لعمر بن عبد العزيز، وقال: "فقد عُلم أنه ليس هناك لجامٌ، إنّما هو كنحو ما ذكرنا من سجن اللسان وخزنه وحفظه وخطمه وزمِّه، ويقال في نحو هذا: مَنِ اغتابَ خَرَق، ومَنِ استغفر رَقَع"، وينظر: العقد لابن عبد ربّه ٣/ ١٦، وفصل المقال في شرح كتاب الأمثال للبكري، ص ٢٢.
(٣) سلف في الحديث الأول له عن أبي شُريح الكعبيّ رضي اللَّه عنه.
(٤) الأغلوطات: جمع أُغلوطة، أُفعُولة من الغَلَط، كالأُحموقة من الحُمق. والمراد بها هنا: صعاب المسائل التي يُعتَرض بها العلماء ليُستَزَلُّوا بها، ويُستَسقَط رأيُهم فيها. ينظر: معالم السُّنن للخطابي ٤/ ١٨٦.
(٥) أي تطلُّب المسائل التي لا تقع والتعمُّق فيها وإخراجها بأحسن مخرج. ينظر: اللسان (شقق).

<<  <  ج: ص:  >  >>