قال أبو عُمر: الظاهر في لفظ هذا الحديث: كراهة السُّؤال عن المسائل إذا كان ذلك على الإكثار، لا على الحاجة عند نزول النازلة؛ لأن السُّؤال في مسألة الناس إذا لم يجز، فليس ينهى عن كثرته دون قلَّته، بل الآثارُ في ذلك آثارُ عموم لا تفرِّقُ بين القلة والكثرة لمن كُره له ذلك؛ وقد مضى في معنى السُّؤال وما يجوز منه ولمن يجوز أبوابٌ كافية في هذا الكتاب.
وأمّا حديثُ هذا الباب فمعناه -واللَّه أعلم-: ما ذكرنا، على أنه قد اختُلف فيه على ما وصفنا؛ وكان الأصلُ في هذا أنهم كانوا يسألون رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أشياءَ ويُلحُّون فيها فينزلُ تحريمُها، قال اللَّهُ عزَّ وجلَّ:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ}[المائدة: ١٠١].
ثبت عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنّه قال:"أعْظَمُ المُسلمينَ في المُسلمين جُرمًا مَن سَألَ عمّا لم يُحرَّمْ، فحُرِّمَ على النّاسِ مِنْ أجْلِ مَسْألتِه".
ورُوِيَ عن الزُّهريِّ، ومجاهد، وقتادةَ، وعكرمةَ، بمعنًى واحد، أنهم قالوا: كانوا يسألون رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فسألوه يومًا فأكثَروا عليه، فقام مُغضَبًا وقال:"سلُوني، فواللَّه لا تسألُوني -أو: لا يسألُني أحدٌ- عن شيءٍ في مقامي هذا إلا أخبَرتُه، ولو سألني عن أبيه لأخبَرتُه"، فقام عبدُ اللَّه بنُ حُذافة فقال: مَن أبي؟ فقال:"أبوك حُذافة". قال الزُّهريُّ: فقالت أمُّه: ما رأيتُ ولدًا أعقَّ منك! أكنتَ تأمَنُ أن تكونَ أمُّك قارَفت ما قارَف أهلُ الجاهلية فتفضَحَها؟ وقام رجلٌ فقال: الحجُّ واجبٌ في كلِّ عام، أم مرةً واحدةً؟ فقال:"بل مرةً واحدةً، ولو قلتُها لوَجَبت". وقام سعدٌ مولى شيبةَ فقال: مَن أنا يا رسولَ اللَّه؟ قال:"أنتَ سعدٌ مولَى شيبةَ بنِ ربيعةَ". وقام رجلٌ من بني أسدٍ فقال: أين أنا يا رسولَ اللَّه؟ قال:"أنتَ في النار". فقام عمرُ فقال: رضِينا باللَّه ربًّا، وبالإسلام دينا، وبمحمَّدٍ نبيًّا، نعوذُ باللَّه من