للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حدَّثنا عبدُ اللَّه بنُ محمدِ بنِ يحيى، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ جعفرِ بنِ حمدان، قال: حدَّثنا عبدُ اللَّه بنُ أحمدَ بنِ حنبل، قال: حدَّثني أبي (١)، قال: أخبرنا هُشَيمٌ، قال: أخبرنا غيرُ واحدٍ منهم مُغيرةُ، عن الشعبيِّ، عن وَرّادٍ كاتبِ المغيرةِ بنِ شعبة، أنَّ معاويةَ كتَب إلى المغيرة: اكتُبْ إليَّ بحديثٍ سمعتَه من رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. فكتَب إليه المغيرةُ: إنّي سمعتُه يقولُ عندَ انصرافِه من الصلاة: "لا إلهَ إلا اللَّهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ" ثلاثَ مرات، وكان ينهَى عن قيلَ وقالَ، وكثرةِ السُّؤال، وإضاعةِ المال، ومنْعَ وهات، وعقوقِ الأمهات، ووأدِ البنات.

قال أبو عُمر: قد مضَى فيما يَحِلُّ من السُّؤالِ وما لا يَحِلُّ أبوابٌ كافيةٌ فيما سلفَ من هذا الكتاب، والسؤالُ إذا لم يَحِلَّ فلا يَحِلُّ منه التكثيرُ ولا التقليل، وإذا كان جائزًا حلالًا فلا بأسَ بالإكثارِ منه حتى يبلُغَ إلى الحدِّ المنهيِّ عنه. واللَّهُ أعلم.

وقد كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يكرَهُ كثرةَ السائل ويعيبُها، والانفكاكُ عندي من هذا المعنى والانفصالُ من هذا السُّؤالِ والإدخال، أن السُّؤالَ اليومَ لا يُخافُ منه أن ينزِلَ تحريمٌ ولا تحليلٌ من أجلِه، فمَن سأل مستفهِمًا راغبًا في العلم ونفيِ الجهل عن نفسِه، باحثًا عن معنًى يجبُ الوقوفُ في الديانةِ عليه، فلا بأسَ به، فشفاءُ العِيِّ السُّؤال، ومَن سأل مُعنِتًا غيرَ متفقِّهٍ ولا متعلِّم، فهذا لا يَحِلُّ قليلُ سؤالِه ولا كثيرُه. وقد أوضَحنا هذه المعانيَ كلَّها في كتاب "العلم" (٢) بما لا سبيلَ إلى ذكرِه هاهنا.

وأمّا قولُه: "وإضاعةَ المال"، فللعلماءِ في تأويلِ معناه ثلاثةُ أقوال:


(١) في المسند ٣٠/ ١٢٧ (١٨١٩٢).
وأخرجه البخاري (٦٤٧٣)، وابن خزيمة في صحيحه (٧٤٢) من طريق هشيم بن بشير الواسطي، به.
(٢) جامع بيان العلم وفضله (باب ما جاء في ذمِّ القول في دين اللَّه تعالى بالرأي والظنِّ والقياس على غير أصل، وعيب الإكثار من المسائل دون اعتبار) ٢/ ١٠٣٧ - ١٠٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>