للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يريد: إذا دعا بقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، إلى آخر السورة؛ لأنَّ الداعيَ يُسمَّى مؤمِّنًا، كما يُسمَّى المؤمِّنُ داعيًا، واستدَلُّوا بقول اللَّه عزَّ وجلَّ لموسى وهارون: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: ٨٩]، وإنما كان هارونُ مؤمِّنًا وموسى الداعي، فيما قال أهلُ العلم بتأويل القرآن.

وقال بعضُ مَن يقولُ بأنّ الإمامَ يقول: آمين إذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ}: لم يُرِدْ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بما جاء عنه في هذا الحديث أنَّ الإمامَ لا يقول: آمين؛ لأنه قد صحَّ عنه قولُه: "إذا أمَّن الإمامُ فأمِّنُوا"، وصحَّ عنه أنَّه كان إذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} قال: "آمين" ورفَع بها صوتَه (١)، وإنما أراد بما جاء عنه في حديث سُمَيٍّ هذا أن يُعرِّفَهم بالموضع الذي يقولونَ فيه: آمين، وهو إذا قال الإِمام: {وَلَا الضَّالِّينَ}، ليكونَ قولُهما معًا، ولا يتقدَّموه بقول: آمين. واللَّهُ أعلم. واحتجُّوا بقول بلال: يا رسولَ اللَّه، لا تَسبِقْني بآمين. وقد مضَى هذا الخبرُ فيما سلَف من هذا الكتاب في باب أبي الزِّناد، وباب ابنِ شهاب، ومَضَى من القول في معنى هذا الحديث هناك ما فيه كفايةٌ، والحمدُ للَّه (٢).

وفي هذا الحديث: دلالةٌ على أنّ المأمومَ لا يقرأُ خلفَ الإِمام إذا جهَر؛ لا بـ: "أُمِّ القرآن" ولا بغيرِها؛ لأنَّ القراءةَ بها لو كانت عليهم لأمَرهم إذا فرَغوا من "فاتحة الكتاب" أن يُؤمِّنَ كلُّ رَجُلٍ منهم بعدَ فراغِه من قراءتِه؛ لأنَّ السُّنة فيمَن قرأ بـ "أُمِّ القرآن" أن يُؤمِّنَ عندَ فراغِه منها، ومعلومٌ أن المأمومينَ إذا اشتغَلُوا بالقراءةِ خلفَ الإِمام، لم يكادوا يسمَعون فراغَه من قراءةِ "فاتحة الكتاب"، فكيف يُؤمَرون بالتأمين عندَ قول الإِمام: {وَلَا الضَّالِّينَ} ويُؤمَرون بالاشتغال عن استماع ذلك؟ هذا ما لا يَصحّ.


(١) سلف بإسناد المصنِّف مع تمام لفظه وتخريجه في أثناء شرح الحديث الأوّل لمحمد بن شهاب الزُّهري.
(٢) سلف ذلك أثناء شرح الحديث الموفي أربعين لأبي الزناد، وفي الحديث الأول لابن شهاب الزُّهري.

<<  <  ج: ص:  >  >>