للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنس يقول: لا ينبغي التهجيرُ يومَ الجمُعة باكرًا. فقال: هذا خلافُ حديث النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنكَره، وقال: سبحانَ اللَّه! إلى أيِّ شيءٍ ذهَب في هذا والنبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: "كالمُهدي جَزورًا، وكالمُهدي كذا" (١).

وكان ابنُ حبيبٍ يميلُ إلى هذا القول ويُنكِرُ قولَ مالك، وقال: هو تحريفٌ في تأويل الحديث، ومحالٌ من وجوه. قال: وذلك أنَّه لا تكونُ ساعاتٌ في ساعةٍ واحدة. قال: والشمسُ إنما تزولُ في الساعةِ السادسةِ من النهار، وهو وقتُ الأذان وخروج الإِمام إلى الخُطبة، فدلَّ ذلك على أنّ الساعاتِ المذكورةَ في هذا الحديث هي ساعاتُ النهار المعروفات، فبدأ بأوَّل ساعاتِ اليوم فقال: "مَن راحَ في الساعة الأولى، فكأنما قرَّب بَدَنةً"، ثم قال في الخامسة: "بيضة"، ثم انقطَع التهجير، وحانَ وقتُ الأذان. قال: فشرحُ الحديث بيِّنٌ في لفظه، ولكنه حُرِّف عن وجهِه، وشُرح بالخُلْف (٢) من القول وبما لا يتكوَّنُ، وزهَّد شارحُه الناسَ فيما رغَّبهم فيه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من التهجير في أول النهار، وزعَم أن ذلك كلَّه إنما يجتمعُ في ساعةٍ واحدةٍ عندَ زوالِ الشمس. قال: وقد جاءت الآثارُ بالتهجير إلى الجمُعة في أولِ النَّهار، وقد سُقْنا من ذلك في موضعِه من كتاب "واضح السُّنن" ما فيه بيانٌ وكفاية. هذا كلُّه قولُ ابن حَبِيب (٣).

قال أبو عُمر: هذا منه تحاملٌ على مالك رضي اللَّه عنه، فهو الذي قال القولَ الذي أنكَره ابنُ حبيب، وجعله خُلفًا من القول وتحريفًا من التأويل، والذي


(١) سيأتي بإسناد المصنِّف مع تمام تخريجه قريبًا.
(٢) الخُلْفُ: الفاسد الرّديء. اللسان (خ ل ف).
(٣) أورده ابن بطّال في شرح صحيح البخاري ٢/ ٤٨٠ فقال: "واحتجَّ له بأنَّ ابنَ عمر سُئل متى أروح؟ فقال: إذا صليت الغداة فَرُحْ إن شئت. . . "، وأبو الفضل العراقي في طرح التثريب في شرح التقريب ٣/ ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>