للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قاله مالكٌ هو الذي تشهدُ له الآثارُ الصِّحاحُ الثابتةُ من روايةِ الفقهاءِ الأئمة، مع ما صحِبه عندَه من عمل العلماء ببلدِه؛ لأنَّ مثلَ هذا يصحُّ فيه الاحتجاجُ بالعمل، لأنَّ مالكًا كان مجُالسًا لعلماءِ المدينة ومُشاهدًا لوقتِ حركتِهم وخروجِهم إلى الجمُعة، وكان أشدَّ الفقهاءِ اتِّباعًا لسلفِه، ولو رآهم يُبكِّرون إلى الجمُعة ويَخرجون إليها معَ طلوع الشمس ما أنكَر ذلك معَ حرصِه على اتِّباعهم. قال أحمدُ بنُ حنبل (١): مالكٌ عندي أتبعُ من سفيان، يريدُ: أشدَّ اتِّباعًا من سفيان (٢) لسلفِه، واللَّهُ أعلم.

قال يحيى بن عمر، عن حرملة: إنه سأل ابنَ وَهْب عن تفسيرِ هذه الساعات: أهو الغُدُوُّ من أول ساعات النهار، أو إنما أرادَ بهذه الساعات ساعةَ الرواح؟ فقال ابنُ وَهْب: سألتُ مالكًا عن هذا، فقال: أمّا الذي يقعُ في قلبي فإنه إنما أرادَ ساعةً واحدةً تكونُ فيها هذه الساعاتُ، مَن راح في أول تلك الساعةِ أو الثانيةِ أو الثالثة أو الرابعة أو الخامسة، ولو لم تكنْ كذلك ما صُلِّيتِ الجمُعةُ حتى يكونَ النهارُ تسعَ ساعاتٍ في وقتِ العصر أو قريبٍ من ذلك (٣).

قال أبو عُمر: فهذا قولُ مالكٍ الذي أنكَره ابنُ حبيب. وأمّا الآثارُ التي تشهدُ لصحةِ ما ذهب إليه مالكٌ في ذلك؛ فأخبرنا عبدُ اللَّه بنُ محمدِ بن عبد المؤمن، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ يحيى بن عمرَ أبو جعفر، قال: حدَّثنا عليُّ بنُ حرب، قال: حدَّثنا سفيانُ، عن الزُّهريِّ، عن سعيد بن المسيِّب، عن أبي هريرة، يبلُغُ به النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "إذا كان يومُ الجمُعة قام على كلِّ بابٍ من أبواب المسجدِ ملائكة يكتُبون الناسَ، الأولَ فالأول؛ المُهجِّرُ إلى الجمُعة كالمُهدي بَدَنةً، ثم الذي يَليه كالمُهدي بقرةً،


(١) سؤالات أبي داود للإمام أحمد بن حنبل، ص ٣٠٨.
(٢) قوله: "من سفيان" لم يرد في الأصل.
(٣) ينظر: زاد المعاد لابن قيِّم الجوزّية ١/ ٣٨٨، واللمعة في خصائص الجمعة للسيوطي، ص ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>