للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يومُ الجمُعة غدَت الشياطينُ براياتها إلى الأسواق، فيرمُون الناسَ بالترابيث (١)، ويُبطئونَهم عن الجمُعة، وتغدُو الملائكةُ فيجلِسون على باب المسجد فيكتُبون الرجلَ من ساعة، والرجلَ من ساعتين، حتى يخرجَ الإِمام، فإذا جلس الرجلُ مجلسًا يستمكنُ فيه من الاستماع والنظر والصُّمْت ولم يَلْغُ، كان له كِفلانِ من أجر (٢)، وإن جلَس مجلسًا يستمكنُ فيه من الاستماع والنظر، فلغا ولم يُنصِتْ، كان له كِفلٌ من وِزْر، ومَن قال لصاحبه يومَ الجمُعة: صَهْ فقد لغا، ومَن لغا فليس له في جمُعته تلك شيءٌ". ثم يقولُ في آخر ذلك: سمِعتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقولُ ذلك. قال أبو داود: رواه الوليدُ بنُ مسلم، عن ابنِ جابر، قال: "بالرَّبائث". وقال: مولى امرأتِه أمِّ عثمانَ بنِ عطاء.

قال أبو عُمر: ففي هذه الأحاديث وجَدْنا ذكرَ الساعات، فاللَّهُ أعلم.

وكان الشافعيُّ رحمه اللَّهُ يقول (٣): أُحِبُّ التبكيرَ إلى الجمُعة، وألا تُؤتَى إلا مشيًا. وفي قوله: "التبكير" دليل على أنَّه الاستعجالُ في أول النهار.

وقد جاء في كثير من هذه الأحاديث: "المهجِّرُ وجاء فيها: "المتعجِّلُ". وقال بعضُ أصحاب الشافعيِّ: ليس في قوله: "المهجِّرُ" ما يدُلُّ على أنَّه من وقتِ الهجير والهاجرة. قال: وإنما هو من التهجير الذي يرادُ به البِدارُ والاستعجال، وتركُ الحاجات، واطِّراحُ الأشغال. ومن ذلك قيل: المُهاجِر، لمَن ترَك أهلَه ووطنَه وبادَر إلى صُحبةِ محمدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

قال أبو عُمر: وقد استدلَّ بحديث سُمَيٍّ المذكور في هذا الباب الشافعيُّ


(١) الترابيث، جمع تربيثة، يقال: ربَّثْتُه تربيثًا وتربيثةً واحدة، وهو ما يحبس الإنسان عن مهامه، كما في معالم السنن للخطابي ١/ ٢٤٣، والنهاية لابن الأثير ٢/ ١٨٢.
(٢) بعد هذا في سنن أبي داود: "فإن نأى وجلس حيث لا يسمع فانصتَ ولم يَلْغ كان له كفل من أجر"، ولم ترد في شيء من النسخ، فلعل المصنف اختصرها أو سها عنها.
(٣) الأم ١/ ٢٢٥ - ٢٢٦، وينظر الحاوي الكبير للماوردي ٢/ ٤٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>