للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال أبو عُمر: اختلَف أصحابُ مالكٍ في معنى هذا الحديث، فروَى ابنُ القاسم، عن مالكٍ أنّه قال: إنّما ذلك في مُشرِكي العربِ والمجوسِ فقط، وأما اليهودُ والنَّصارى فهم على قِسْمَتِهم (١).

قال أبو عُمر: فالوثنِيُّ والمجوسيُّ ومَن لا كتابَ له عندَه في هذه الروايةِ إذا ماتَ وله وَرَثَةٌ على دينِه فلم يَقتَسِموا ميراثَه حتى أسلَموا، اقتَسَموه على شريعةِ الإسلام؛ لأنّهم في وقتِ القِسمَةِ مسلمون، ولا كتابَ لهم فيَقتَسِمون ما وجَب لهم من ميراثِهم عليه. وأمّا الكِتابيُّ على هذه الرِّوايةِ إذا مات وله وَرَثةٌ على دينِه، فلم يَقتَسِموا ميراثَه حتى أسلَموا، فإنّهم يَقتَسِمونَه على حسَبِ ما وجَب لكلِّ واحدٍ منهم في دينِه وشَريعَتِه في حين موتِ مَوْرُوثِهم؛ لأنّ الميراثَ حينَئذٍ وجَب، واستَحَقَّ كلُّ واحدٍ منهم ما استَحَقَّه بموتِ مَوْرُوثِه، لا يُزَاحُ أحَدٌ منهم عمّا استحَقَّه في دينِه الذي قد أقرَرناه عليه.

وروَى ابنُ نافع، وأشهبُ، وعبدُ الملكِ بن عبد العزيز، ومُطَرِّفٌ، عن مالكٍ، أنّ ذلك في الكفار كلِّهم: المجوسِ، ومُشركي العرب، وأهل الكتاب، وجميعِ أهلِ المِلل. وهذا أولَى؛ لما فيه من استعمالِ الحديث على عُمومِه في أهل الجاهليّة، ولأنّ الكُفرَ لا تَفتَرِقُ أحكامُه لاختِلافِ أديانِه، ألَا ترَى أنّ مَن أسلَم من جميعِهم أُقِرَّ على نِكاحِه ولَحِقه وَلدُه؟ وعند مالكٍ وجميع أصحابِه أنَّ أهلَ الكُفرِ كلَّهم سواءٌ، مجوسًا كانوا أو كتابيِّينَ، في مُقاتَلتِهم، وضَربِ الجزيةِ عليهم، وقَبولِها منهم، وإقرارِهم على دينِهم، وقد جمَعهم الله عزَّ وجلَّ في الوَعيدِ والتَّخليدِ في النار، وشَمِلهم اسمُ الكُفرِ، فلا يُفرَّقُ بينَ شيءٍ من أحكامِهم إلّا


(١) ينظر البيان والتحصيل ١٥/ ٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>