للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقامَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يجُرُّ رداءَه حتى صعِد المنبر، فرفَع يدَيه ثم قال: "اللهمَّ اسْقِنا غَيثًا مُغيثًا، غَدَقًا طَبقًا، نافعًا غيرَ ضارٍّ، عاجلًا غيرَ رائث (١)، تملأُ به الضرعَ، وتُنبتُ به الزرعَ، وتحيي به الأرضَ بعدَ موتها، {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الروم: ١٩]. قال: فما ردَّ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدَيه حتى التقَتِ السماءُ بأرْواقِها (٢) وجاء أهلُ البِطاح يضجُّون: الغَرقَ الغَرقَ. فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهمَّ حَوالَينا ولا علينا". فانْجابَ السَّحابُ عن المدينة حتى أحدَق بها كالإكليل فضَحِكَ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى بدَت نواجِذُه، ثم قال: "للَّه دَرُّ أبي طالب، لو كان حيًّا قرَّت عَيناهُ، مَن يُنشِدُنا قوله؟ ". فقال عليٌّ: أنا يا رسولَ اللَّه، لعلك تريد:

وأبيضَ يُسْتَسْقَى الغَمامُ بوَجْهِه ... ثِمَالُ اليَتامَى (٣) عِصْمَةٌ للأراملِ

يَطيفُ به الهُلّاكُ مِن آلِ هاشم ... فهم عندَه في نِعْمةٍ وفَواضلِ

فقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أجَلْ". فقامَ رجلٌ من كِنانةَ فقال (٤): رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن يَكُ شاعرٌ أحسنَ فقد أحسنتَ"؛ أخبرناه خلفُ بنُ قاسم، قال: أخبرنا محمدُ بنُ أحمدَ بنِ بُجَيْرٍ القاضي، قال: حدَّثنا إبراهيمُ بنُ محمدِ بنِ صدقةَ الواسطيُّ،


(١) قوله: "غير رائثٍ" أي: غير مُحتَبس، أو غير بطيء متأخّر. (غريب الحديث لابن الجوزي ١/ ٤٢٦، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير ٢/ ٢٨٧).
(٢) قوله: "ألقت السماءُ بأرواقها" أي: بجميع ما فيها من الماء. والأرواق: الأثقال، أراد مياهَها المُثقِلَة للسحاب. (النهاية في غريب الحديث ٢/ ٢٧٨).
(٣) قوله: "ثمال اليتامى" أي: الثِّمال -بالكسر- الملجأ والغِياث، وقيل: هو المُطعِمُ في الشِّدَّة، والمراد: معتمدهم وملجؤهم (كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي ٢/ ٥٧٧، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير ١/ ٢٢٢).
(٤) بعد هذا في مصادر التخريج: "لك الحمد والحمد ممن شكر، فذكر الأبيات، قال: فقال"، وليست في النسخ المعتمدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>