للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال: فلما انصرَف رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فبأبي هو وأُمي، ما رأيتُ معلِّمًا قبلَه ولا بعدَه أحسنَ تعليمًا منه، واللَّه ما ضرَبني، ولا كَهَرني (١)، ولا سَبَّني، ولكن قال: "إن صلاتَنا هذه لا يَصلُحُ فيها شيءٌ من كلام الناس، إنما هي للتَّسْبيح والتكبيرِ وتلاوةٍ للقُرآنِ".

قال: ثم اطَّلَعتُ غُنَيمةً لي تَرعاها جاريةٌ لي في ناحية أُحُد، فوجدْتُ الذئبَ قد أصاب منها شاةً، وأنا رجلٌ من بني آدم، آسَفُ كما يأسَفُون، فصَكَكتُها صَكّة، ثم انصرَفْتُ إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فأخبرتُه، فعظَّمَ عليَّ. قال: فقلت: يا رسولَ اللَّه، فهلّا أُعتِقُها؟ قال: "ائتِني بها". قال: فجِئْتُ بها إلى رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال لها: "أين اللَّهُ؟ ". فقالت: في السماء. فقال: "مَن أنا؟ ". فقالت: أنت رسولُ اللَّه. قال: "إنها مؤمنةٌ، فأعْتِقْها" (٢).

قال أبو عُمر: معاني هذا الحديث واضحةٌ يُستَغنَى عن الكلام فيها.

وأما قوله: "أينَ اللَّهُ؟ ". فقالت: في السماء. فعلى هذا أهلُ الحقِّ؛ لقول اللَّه عزَّ وجلَّ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك: ١٦]. ولقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: ١٠]. ولقوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: ٤].


(١) أي: ولا نَهَرني، والكَهْرُ: عبوس الوجه، والشَّتم، والقهر. ينظر: تهذيب اللغة ٦/ ١٠، والصحاح (كهر).
(٢) أخرجه مسلم (٥٣٧) (٢١) بإثر الحديث (٢٢٢٧)، والنسائي في المجتبى (١٢١٨)، وفي الكبرى ٢/ ٤٤ (١١٤٢)، وابن خزيمة في التوحيد، ص ٢٧٨ - ٢٨٢، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ١٣/ ٢٦٧ (٥٣٣٢) و (٥٣٣٣)، وأبو عوانة في المستخرج ١/ ٤٦٥ (١٧٢٧)، وابن حبّان في صحيحه ٦/ ٢٢ - ٢٤ (٢٢٤٧) من طرق عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، به.
وهو عند أحمد في المسند ٣٩/ ١٧٥ (٣٢٧٦٢)، ومسلم (٥٣٧) (١٢١) بإثر الحديث (٢٢٢٧) وأو داود (٩٣٠)، وابن الجارود في المنتقى (٢١٢)، والبيهقي في الأسماء والصفات (٨٩١) من طرق عن يحيى بن أبي كثير، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>