للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحُصَين، أنه سمع أبا غَطَفانَ بنَ طَريفٍ المُرِّيَّ، قال: اختَصمَ زيدُ بنُ ثابت وابنُ مُطيع إلى مروانَ بنِ الحكَم في دارٍ، فقضَى باليمين على زيدِ بنِ ثابتٍ على المنبر، فقال زيدٌ: أحْلِفُ له مكاني. فقال مروان: لا واللَّه، لا واللَّه، إلا عندَ مقاطع الحقوق. فجعل زيدٌ يحلفُ إنَّ حقَّه لحقٌّ، ويأبى أن يحلِفَ على المنبر، فجعَل مروانُ يعجَبُ من ذلك. قال مالك: كرِه زيدٌ صبرَ اليمين (١).

قال الشافعيُّ (٢): وبلَغني أن عمرَ بنَ الخطاب حلَف على المنبر في خصومةٍ كانت بينَه وبينَ رجل، وأن عثمانَ رضي اللَّه عنه رُدَّت عليه اليمينُ على المِنْبر، فافتَدى منها، وقال: أخافُ أن تُوافقَ قدرَ بلاء، فيقال: بيمينِه.

قال الشافعيُّ: واليمين على المِنْبر ما لا اختلافَ فيه عندَنا بالمدينةِ ومكةَ في قديم ولا حديث. قال الشافعيُّ: فعابَ قولَنا هذا عائب، ترَك فيه موضعَ حُجَّتنا بسُنَّة رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والآثارِ بعدَه عن أصحابه، وزعَم أن زيدَ بنَ ثابتٍ كان لا يرى اليمينَ على المنبر، وأنّا روَينا ذلك عنه، وخالَفْناه إلى قولِ مروانَ بغيرِ حُجَّة.

قال الشافعيُّ: هذا مروانُ يقول لزيد -وهو عندَه أحظَى أهل زمانِه وأرفعُهم منزلةً- لا واللَّه إلا عندَ مقاطع الحقوق. قال: فما منع زيدَ بنَ ثابت، لو لم يعلم أن اليمينَ على المنبر حقٌّ، أن يقول: مقاطعُ الحقوق مجلسُ الحكم؟ كما قال أبو حنيفةَ وأصحابه: ما كان زيدٌ ليمتنعَ من أن يقولَ لمروانَ ما هو أعظمُ من هذا، وقد قال له: أتُحلُّ الرِّبا يا مروان؟ فقال مروان: أعوذُ باللَّه، وما هذا؟ قال: فالناسُ يَتبايَعون الصُّكوكَ قبلَ أن يَقبِضُوها. فبعَث مروانُ الحرسَ يَنتَزِوعونها من أيدي الناس (٣).


(١) وصبْرُ اليمين: هي التي تُلزم صاحبها ويُكرَهُ عليها، ويُحبَس عليها. ينظر: النهاية في غريب الحديث ٣/ ٨، وعمدة القاري للعيني ١٦/ ٢٩٨.
(٢) في الأمّ ٧/ ٣٨.
(٣) ذكره مالك في الموطأ ٢/ ١٦٨ (١٨٦٧) بلاغًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>