للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حنيفة والشافعيُّ وأصحابُهما والثوريُّ والأزاعيُّ: يُجزِئُ الجُنُبَ إذا انغمَسَ في الماء وإن لم يَتدَلَّك. وبه قال أحمدُ بنُ حنبل، وأبو ثور، وإسحاقُ، وداودُ، والطبريُّ، ومحمدُ بنُ عبدِ الحكم، وهو قولُ الحسنِ البصريِّ، وإبراهيمَ النخعيِّ، وعامرٍ الشعبيِّ، وحمادِ بنِ أبي سُليمان، وعطاء؛ كلُّ هؤلاء يقول: إذا انغمَس في الماء، وقد وجَب عليه الوضوء، فعمَّ الماءُ أعضاءَ الوضوء، ونَوى بذلك الطَّهارة، أجْزَأه، وحُجَّتُهم أن كلَّ مَن صَبَّ عليه الماءَ فقد اغتسلَ، والعربُ تقول: غسَلَتْني السماء (١).

وقد حكَت عائشةُ وميمونةُ صفةَ غُسْل رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولم تَذْكُرا فيه التَّدلُّك، ولو كان واجبًا ما ترَكه رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنه المُبينُ عن اللَّه مُرادَه، ولو فعَله لنُقِل عنه كما نُقِل تخليلُ أُصولِ الشعَرِ بالماء، وغَرْفُه على رأسِه، وغيرُ ذلك من صفةِ غُسْلِه ووضوئِه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

ذكَر عبدُ الرزاق (٢)، عن معمَر، عن أبي إسحاق، عن رجل يقال له: عاصم. أن رَهْطًا أتوا عمرَ بنَ الخطاب، فسألوه عن الغُسْل من الجنابة فقال: أما الغسلُ، فتوضّأ وضوءَك للصلاة، ثم اغسِلْ رأسَك ثلاثَ مرات، وادْلُكْه، ثم أفِضِ الماءَ على جلدِك.

وأما غَسْلُ المرأةِ رأسَها في الجَنابة، وصفةُ غُسلِها من ذلك، فقد جاء عن عائشةَ ما ذكَرنا من قولها: وأما نحن فنُفيضُ على رؤوسنا خمسًا من أجلِ الضَّفْر. وقد أنكَرتْ على عبدِ اللَّه بن عمرِو أمرَه النساءَ أن يَنْقُضْنَ رُؤوسَهن عندَ الغُسْل،


(١) ينظر: الأمّ للشافعي ١/ ٤٤، ومسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية لإسحاق بن منصور الكوسج ٢/ ٢٧٢ - ٢٧٣، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ١٥٥، والمغني لابن قدامة ١/ ٧٦.
(٢) في المصنَّف ١/ ٢٥٧ (٩٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>