قالوا: وأما التَّيمُّمُ فهو بَدلٌ من الوُضوء، فلا بدَّ فيه من النِّية. ومن جمَع في ذلك بين التَّيمُّم والوضوء، فحُجَّتُه في ذلك واحدة. ومن حُجَّتهم أيضًا الإجماعُ على إزالةِ النَّجاساتِ من الأبدانِ والثيابِ بغيرِ نيَّة، وهي طهارةٌ واجبةٌ فرضًا عندَهم، قالوا: فكذلك الوضوء.
قال أبو عُمر: القولُ الصحيحُ قولُ مَن قال: لا تُجزئُ طهارةٌ إلا بنيَّة وقَصْدٍ؛ لأنَّ المفترَضات لا تُؤدَّى إلا بقصدٍ إلى أدائِها، ولا يُسمَّى الفاعلُ على الحقيقةِ فاعلًا إلا بقَصْدٍ منه إلى الفِعْل، ومحالٌ أن يتأدَّى عن المرءِ ما لم يقصِدْ إلى أدائِه ويَنْوِيه بفعلِه، وأيُّ تقرُّب يكونُ من غير مُتقرِّب ولا قاصدٍ، والأمرُ في هذا واضحٌ لمن أُلهِم رُشْدَه، ولم تَمِلْ به عَصَبيَّتُه.
واختلف الفقهاءُ فيمَن اغتسل للجُمُعة وهو جُنُبٌ ولم يذكُرْ جَنابتَه:
فقالت طائفة: يجزئُه؛ لأنه اغتسَل للصلاةِ واستِباحتِها، وليس عليه مراعاةُ الحَدَث ونوعِه، كما ليس عليه أن يُراعيَ حَدَثَ البَوْلِ من الغائطِ من الرِّيح، وغيرَ ذلك من الأحداث، وإنما عليه أن يتوضَّأ للصلاةِ، فكذلك الغُسْلُ للصلاةِ يومَ الجُمُعة يُجزئُه من الجنابة. وإلى هذا ذهَب المُزَنيُّ صاحبُ الشافعيِّ، وهو قولُ جماعةٍ من أصحاب مالك؛ منهم أشهبُ، وابنُ وَهْب، وابنُ كِنانةَ، ومُطرِّفٌ، وعبدُ الملك، ومحمدُ بنُ مَسْلمة (١).
وقال آخرون: لا يُجزئُ الجُنُبَ الغُسلُ للجُمُعة إذا لم يَذكُرْ جنابتَه، ولا يُجزئُه عن الجَنابةِ إلا الغُسلُ الذي يُعتدُّ به لها بقَصْدٍ منه إلى ذلك، ونيَّة ورَفْع لجَنابتِه بإرادةِ ذلك وذِكرِه لها؛ لأنَّ الفرائضَ لا تُؤدَّى إلا بذلك، ولأن الغُسلَ
(١) تنظر جملة الأقوال المذكورة في هذا: حلية الأولياء في معرفة مذاهب الفقهاء لأبي بكر الشاشيّ القفّال ٢/ ٢٤١.