للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمَذْي، والاستحاضةِ لا يَرفَعُ بوضوئِه حدَثًا؛ لأنه لا يُتمُّه إلا وقد حصَل ذلك الحدَثُ في الأغلب، وإلى هذا المذهب ذهَب مالكٌ وأصحابُه، وهو ظاهرُ حديث هشام بنِ عُروةَ هذا في قصةِ فاطمةَ بنت أبي حُبَيش، إلا أن عُروةَ كان يُفتي بأن المستحاضةَ تتوضَّأُ لكلِّ صلاة، وذلك -عندَ مالكٍ- على الاستحبابِ لا على الإيجاب، وقد ذكَرنا ما في هذا الباب من الآثارِ المرفوعة وغيرِها على اختلافِها، وذكَرنا مَن تعلَّق بها وذهَب إليها من علماءِ الصحابةِ والتابعين وفقهاءِ المسلمين، وذكَرنا اختلافَهم في ذلك، وأصلَ كلِّ واحدٍ منهم في الحيضِ والطهرِ والاستحاضةِ، ممهَّدًا مبسوطًا في باب نافع عن سليمانَ من هذا الكتاب، فلا وجهَ لإعادةِ ذلك هاهنا، والحمدُ للَّه.

روى مالكٌ في "موطئه" (١) عن هشام بن عُروة، عن أبيه، أنه قال: ليس على المستحاضةِ إلا أن تغتسلَ غسلًا واحدًا، ثم تتوضَّأ بعدَ ذلك لكلِّ صلاة.

قال مالك (٢): الأمرُ عندَنا على حديثِ هشام بنِ عُروة، عن أبيه، وهو أحبُّ ما سمِعتُ إليَّ.

ومن معاني هذا الحديثِ وجهٌ آخرُ أخَّرنا القولَ فيه في ذلك الباب إلى هذا الموضع، وهو قولُ العلماءِ في المرأة التي لم تَحِضْ قطُّ، فحاضت يومًا وطهُرت يومًا، أو حاضَت يومين وطهُرت يومًا أو يومين، ونحو هذا:

فأما مالك وأصحابه، فقالوا: تجمعُ أيامَ الدم بعضَها إلى بعض وتطرَحُ أيامَ الطُّهْر، وتغتسلُ عند كلِّ يوم ترَى فيه الطُّهرَ أولَ ما تراه، وتصلِّي ما دامت طاهرًا، وتكُفُّ عن الصلاةِ في أيام الدم اليومَ واليومين، وتُحصي ذلك، فإذا كان


(١) ١/ ١٠٨ (١٦١).
(٢) الموطأ ١/ ١٠٩ (١٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>