فاغتسلي حينئذ ولا تمكُثي وأنتِ غيرُ حائض دون غسل ودون صلاة. قال: ومحالٌ أن يأمُرَها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهي قد ذهَبت حيضتُها- أن تترُكَ الصلاةَ ثلاثةَ أيام لانتظارِ حيضٍ يجيءُ أو لا يجيءُ.
ومعنى قوله:"فإذا ذهَب قدرُها" لا يخلُو من أن يكونَ أراد انقضاءَ أيام حيضتِها، أو انفصالَ دم حيضتِها من دم استحاضتِها، وأيُّ ذلك كان، فقد أمرها أن تغتسلَ وتصلِّي، ولم يأمُرْها باستظهار، ولو كان واجبًا عليها لأمَرها به، قالوا: والسُّنةُ تنفي الاستظهار؛ لأنَّ دمَ أيامِه جائزٌ أن يكونَ استحاضة، وجائزٌ أن يكونَ حيضًا، والصلاةُ فرضٌ بيقين، فلا يجوزُ لامرأةٍ أن تدَعَ الصلاةَ حتى تستيقِنَ أنها حائضٌ.
وذكَروا أنَّ مالكًا وغيرَه من العلماء قد جاءَ عنهم أنهم قالوا: لأنْ تصلِّي المستحاضةُ وليس عليها ذلك خير من أن تدعَ الصلاةَ وهي واجبةٌ عليها.
وفي هذا الحديث أيضًا ردٌّ على مَن أوجَب الوضوءَ على المستحاضةِ لكلِّ صلاة، لأنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لها:"إذا ذَهبتِ الحيضةُ فاغتَسلي وصلِّي"، ولم يقل: توضَّئي لكلِّ صلاة.
وقد ذكَرنا القائلين بإيجاب الوضوءِ عليها لكلِّ صلاة، والقائلين بإيجابِ الغسل، ووجهَ قولِ كلِّ واحدٍ منهم مبسوطًا ممهَّدًا في باب نافع عن سليمانَ بنِ يسار (١)، والحمدُ للَّه.
قال أبو عُمر: إذا أحدَثتِ المستحاضةُ حدَثًا معروفًا معتادًا لزِمَها له الوضوء، وأمّا دمُ استحاضتِها فلا يوجبُ وضوءًا، لأنه كدَم الجُرح السائل، وكيف يجبُ من أجلِه وضوءٌ وهو لا ينقطعُ؟ ومَن كانت هذه حالَه من سلَس البول،
(١) سلف ذلك في أثناء شرح الحديث الرابع والسبعين له عن سليمان بن يسار.