للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حدَّثني أحمدُ بن محمد بن أحمدَ، قال: أخبَرنا أحمدُ بن الفضل الخفَّاف، قال: حدَّثنا محمدُ بن جرير، قال: حدَّثنا محمدُ بن حميدٍ، قال: حدَّثنا سلمةُ بن الفضلِ، عن ابن إسحاقَ، عن أبانِ بن صالحٍ، عن مجاهدٍ، عن جابر بن عبد الله، قال: كان أبو إسرائيلَ رجلًا من بني فِهْرٍ، فنذَرَ لَيقومَنَّ في الشمسِ حتى يُصلِّيَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الجُمُعة، ولَيصومَنَّ ذلك اليومَ، فرآه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ما شأنُه؟ ". فأخبَرُوه خبرَه، فأمَره أنْ يجلِسَ، ويستظلَّ، ويصومَ، ولم يأمُرْه بكفَّارةٍ (١).

وهذا الحديثُ يدُلُّ على أنّ كلَّ ما ليس لله بطاعةٍ حُكمُه حُكمُ المعصيةِ في أنّه لا يلزَمُ الوفاءُ ولا الكفَّارةُ عنه. فإنْ ظنَّ ظانٌّ أنّ إيجابَ الكفَّارة بالهدي أو غيرِه احتياطٌ، قيل له: لا مدخَلَ للاحتياطِ في إيجابِ شيءٍ لم يُوجِبْه الله في ذمَّةٍ بريئةٍ، بل الاحتياطُ الكفُّ عن إيجابِ ما لم يأذنِ الله بإيجابِه.

وفي هذا الحديث أيضًا دليلٌ على فسادِ قول مَن قال: إنّ مَن نذرَ معصيةً كان عليه مع تركِها كفَّارةُ يمينٍ. فإن احتجَّ مُحتجٌ بحديثِ عمرانَ بن حصين، وحديثِ أبي هريرةَ، جميعًا عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنّه قال: "لا نذرَ في معصيةِ الله، وكفارتُه كفَّارةُ يمين". قيل له: هذان حديثان مُضطربان لا أصلَ لهما عندَ أهل الحديث؛ لأنّ حديثَ أبي هريرة إنّما يدورُ على سُليمانَ بن أرقمَ، وسليمانُ بن أرقمَ متروكُ الحديث، وحديثَ عِمْرانَ بن حُصينٍ يدورُ على زُهيرِ بن محمدٍ، عن أبيه، وأبوه مجهولٌ لم يروِ عنه غيرُ ابنِه زُهيرٍ، وزهيرٌ أيضًا عندَه مناكيرُ. وقد بيَّنّا العلَّةَ في هذين الحديثين في باب طلحةَ بن عبد الملك من كتابَنا هذا.


(١) أخرجه ابن بشكوال في غوامض الأسماء ١/ ٢٣٩ من طريق المصنف، وتحرف عنده: "محمد بن جرير" إلى: "محمد بن حريث". وقصة أبي إسرائيل هذه رواها عكرمة، عن ابن عباس عند البخاري (٦٧٠٤) كما سيأتي بعد قليل. ورواه عبد الرزاق (١٥٨١٧) ومن طريقه أحمد في المسند (١٧٥٣٢) من حديث طاووس عن أبي إسرائيل، وينظر كتابنا: المسند المصنف المعلل ٢٦/ ٨ - ٩ (١١٦٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>