همَمتُ أن أُرسِلَ إلى أبي بكر فأعهدَ إليه، فإنه رُبَّ مُتمَنٍّ وقائل: أنا أنا، وسيدفعُ اللَّهُ ويأبى ذلك والمؤمنون" (١).
وقد استدلَّ قومٌ من أهل العلم على خلافةِ أبي بكر بقول اللَّه عزَّ وجلَّ:{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} الآيةَ [الفتح: ١٦].
ومعلومٌ أن الداعيَ لاولئك القوم غيرُ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنَّ اللَّهَ قد منع المخلَّفين من الأعراب من الخروج مع رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله:{فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} الآيةَ [التوبة: ٨٣]. وقد أرادوا الخروجَ معه إلى بعض ما رجَوْا فيه الغنيمة، فأنزَل اللَّه:{سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ}[الفتح: ١٥]، يعني قولَه:{فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا}، ولا تبديلَ لكلمات اللَّه.
وفي قول اللَّه عزَّ وجلَّ:{فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[الفتح: ١٦] أوضحُ الدلائل على وُجوب طاعةِ أبي بكر وإمامتِه؛ إذْ وعَدَ اللَّهُ المخلَّفين عن رسولِه إذا أطاعُوا الذي يدعوهم بعدَه بالأجرِ الحسن، وأوعَدَهم بالعذاب الأليم إن تولَّوا عنه.
وللعلماء في قول اللَّه عزَّ وجلَّ:{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ} قولان لا ثالثَ لهما: أحدُهما: أنهم قالوا: أراد بقوله:
(١) أخرجه الطبراني في مسند الشاميِّين ٣/ ٧٢ (١٨٢٥) من طريق إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصي، به. وإسناده ضعيف، فإن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصي صدوق يُضعَّف في روايته عن عمرو بن الحارث الحمصي كما في تحرير التقريب (٣٣٠). وعمرو بن الحارث شيخه هنا: هو الحمصي، وهو مقبول كما في التقريب (٥٠٠١) وقال الذهبي في ميزان الاعتدال ٣/ ٢٥١ (٦٣٤٧): "غير معروف العدالة"، وباقي رجال الإسناد ثقات. القاسم: هو ابن محمد بن أبي بكر الصدِّيق.