للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}: بني حَنِيفةَ أهلَ اليمامةِ مع مُسَيْلِمة (١)، وقال آخرون: أراد فارسَ (٢). فإن كان كما قالوا: أهلَ اليمامة، فأبو بكر هو الذي دَعَا إلى قتالهم، وإن كانوا فارسَ فعمرُ دعاهُم إلى قتالهم، وعمرُ إنما استخلَفه أبو بكر، فعلى أيِّ الوجهَيْن كان فالقرآنُ يقتضي بما وصَفنا إمامةَ أبي بكر وخلافتَه، وإن كان أراد فارسَ فهو دليلُ إمامةِ عمرَ وخلافتِه. وقد قال مَن لا علمَ له بتأويل القرآن: إنهم هوازنُ وحُنينٌ، وهذا ليس بشيء؛ لقول اللَّه: {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا}، وقوله: {ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ} الآيةَ. ومعلومٌ أنَّ مَن واسَى رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وصحبَه أخيرًا لا يلحقُ في الفضل بمَن واساه ونصَره وصحِبه أولًا؛ قال اللَّه عزَّ وجلَّ: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد: ١٠]. وكان أبو بكرٍ أولَ الناسِ عزَّر رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ونصَره وآمَن به وصدَّقه وصبَر على الأذى فيه، فاستحقَّ بذلك الفضلَ العظيم؛ لأنَّ كلَّ ما صنَعه غيرُه بعدَه قد شارَكه فيه، وفاتَهم وسبَقهم بما تقدَّم إليه، فلِفَضْله ذلك استحقَّ الإمامة، إذ شأنُها أن تكونَ في الفاضل أبدًا ما وُجِد إليه السبيل. والآثارُ في فضائلِه ليس هذا موضعَ ذكرها، وإنما ذكَرنا استحقاقَه للخلافة بدليل الكتاب والسُّنة.


(١) يُروى هذا التأويل عن سعيد بن جُبير وعكرمة مولى ابن عباس ومحمد بن شهاب الزُّهري كما في تفسير ابن جرير الطبري ٢٢/ ٢٢٠.
(٢) ويُروى هذا عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما ومجاهد كما في تفسير ابن جرير الطبري ٢٣/ ٢١٩، وروى عن آخرين أقوالًا أخرى، وقال: "ولا قول فيه أصحُّ من أن يقال كما قال اللَّه جلّ ثناؤه: {سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} يعني أنه لم يقُم عنده دليل يُرجَّح بمقتضاه قولٌ على قول. وينظر: تفسير ابن كثير ٧/ ٣١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>