أحدُهما: أن هارونَ كان خليفةَ موسى في حياته، ولم يكن عليٌّ خليفةَ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حياتِه، وإذا جاز أن يتأخَّرَ عليٌّ عن خلافةِ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حياتِه -على حسَبِ ما كان هارونُ خليفةَ موسى في حياتِه- جاز أن يتأخَّرَ بعدَ موتِه زمانًا، ويكونَ غيرُه مقدَّمًا عليه، ويكونَ معنى الحديثِ القصدَ إلى إثباتِ الخلافةِ له كما ثبت لهارون، لا أنه استحقَّ تعجيلَها في الوقت الذي تعجَّلها هارونُ من موسى عليهما السلام.
والوجهُ الآخر: أن هذا الكلامَ إنما خرَج من النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في تفضيل عليٍّ ومعرفةِ حقِّه لا في الإمامة؛ لأنه ليس كلُّ مَن وجَب حقُّه وصار مُفضَّلًا استحقَّ الإمامة؛ لأنَّ هارونَ مات قبل موسى بزمان، واستخلَف موسى بعدَه يُوشَعَ بنَ نون، فهارونُ إنما كان خليفةَ موسى في حياتِه، وقد عُلِم أن عليًّا لم يكن خليفةَ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في حياتِه، ولم يكنْ هارونُ خليفةَ موسى بعد موتِه، فيكونَ ذلك دليلًا على أنَّ عليًّا خليفةُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعدَ موتِه.
قال أبو عُمر: كان هذا القولُ من النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لعليٍّ حينَ استخلَفه على المدينة في وقتِ خُروجِه غازيًا غزوةَ تبوك، وهذا استخلافٌ منه في حياتِه، وقد شرِكَه في مثل هذا الاستخلافِ غيرُه ممَّن لا يدَّعي له أحدٌ خلافةً؛ جماعةٌ قد ذكَرهم أهلُ السِّيَر، وقد ذكَرناهم في كتاب الصحابة، وليس في استخلافِه حينَ قال له ذلك القولَ دليلٌ على أنه خليفةٌ بعدَ موتِه. واللَّهُ أعلم.
وأما قولُه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه"(١)، فمحتملٌ للتأويل؛ لأنَّ
(١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (٢٣٧٩٥)، وأحمد في المسند ٣٨/ ٣٢ (٢٢٩٤٥) عن الفضل بن دُكين، عن ابن أبي غنيّة، عن الحكم بن عُيينة الكندي، عن سعيد بن جُبير بن بُريدة الأسلمي رضي اللَّه عنه. =