للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا الحديث دليلٌ على إجارر أخذِ السيدِ نجومَ المكاتَبِ (١) من مسألةِ الناس؛ لتركِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - زجرَها عن مسألةِ عائشة، إذ كانت تستعينُها في أداءِ نَجْمِها، وهذا يردُّ قولَ مَن كَرِه كتابةَ المكاتَبِ الذي يسألُ الناس، وقال: تُطعِمُني أوساخَ الناس! وليس كما قال، ولا كما ظنَّ؛ لأنَّ ما طاب لبَريرَةَ أخذُه، كان لسيدِها قبضُه منها في الكتابة؛ لأنه داخلٌ عليه من غيرِ الجهةِ التي دخَل عليها. وقد بيَّنا هذا المعنى في باب ربيعةَ (٢) عندَ ذكرِ اللحم الذي تُصُدِّقَ به على بَريرة، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "هو عليها صدقةٌ، ولنا هديةٌ". وكيف لا يبدُرُ الناسُ إلى إعطاءِ المكاتَب، ويَطيبُ له ما أُعطيَ، فيصيرُ مالَه ويُؤدِّيه عن نفسِه، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد حَضَّ على إعطائِه، وندَب إلى ذلك.

روَى سهلُ بنُ حنيف وغيرُه، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "مَن أعان غازيًا في سبيل الله، أو غارمًا في عُسرتِه، أو مُكاتبًا في رقبتِه، أظلَّه اللهُ في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه" (٣).


(١) أي: عطاؤه. وتنجيم الدَّين: هو أن يُقدَّر عطاؤه في أوقات معلومة متتابعة وأصله أنَّ العرب كانت تجعل مطالع القمر ومساقطها مواقيتَ حُلولِ دُيونها وغيرها، فتقول: إذا طلع النجم: حلّ عليك ما لي، أي: الثُّريّا، وكذلك باقي المنازل، فلمّا جاء الإسلام جعل الله تعالى الأهِلَّة مواقيت لِمَا يحتاجون إليه في معرفة أوقات الحجِّ والصوم ومَحِل الدُّيون، وسمَّوها نجومًا اعتبارًا بالرسم القديم الذي عرفوه. ينظر: تهذيب اللغة للأزهري ١١/ ٨٨، واللسان (نجم).
(٢) وهو ابن أبي عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها، وقد سلف في موضعه.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (١٩٩٠٣) و (٢٢٦١٥)، وأحمد في المسند ٢٥/ ٣٦٣ (١٥٩٨٧) عن يحيى بن أبي بُكير العبدي، عن زهير بن محمد التميمي العنبري، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عبد الله بن سَهْل بن حُنيف، عن سَهْل بن حُنيف، به.
وأخرجه ابن أبي عاصم في الجهاد (٩٤)، والطبراني في الكبير ٦/ ٨٦ (٥٥٩٠)، والحاكم في المستدرك ٢/ ٨٩، والبيهقي في الكبرى ١٠/ ٣٢٥ (٢٢١٤٣) من طرق عن يحيى بن بُكير، به.
وأخرجه أحمد في المسند ٢٥/ ٣٦٢ (١٥٩٨٦)، وعبد بن حميد في المنتخب (٤٧١)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ٩/ ٤٢٥ (٣٨١٨) من طرق عن عبد الله بن محمد بن عقيل، به.=

<<  <  ج: ص:  >  >>