للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحجةُ في هذا الحديث لمن نزَع به صحيحة، لأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقلْ لها: إنها كتابةٌ فاسدةٌ، إذ لم يعرِفْ متى يأخذُ النجمَ أو الأُوقيّةَ من العام. وحسبُهم في ذلك أنّ العامَ إذا انقَضى أو انسَلخ الشهر، وجَب النجمُ، ومَن أدّاه قبل ذلك قُبِل منه.

وليست الكتابةُ كالبُيوع في كلِّ شيءٍ عندَ العلماء، لأنَّ العبدَ مع سيدِه أكثرُهم لا يرَى بينَهما ربًا، ألا ترى أنَّ المكاتبَ لو عجَز حلَّ لسيدِه ما أخَذ منه، وليس ذلك كبيع العُربان. وللكلام في هذه المسألةِ موضعٌ غيرُ هذا.

وأما قولُه: "تسعُ أواقيَّ" فالأُوقيّةُ مؤنثة في اللفظ، مقدارُها أربعون درهمًا كيلًا، لا اختلافَ في ذلك، والدِّرهمُ: الكيلُ درهمٌ وخُمسان بدراهمِنا على ما قَد مضَى ذكرُه في باب عَمْرو بن يحيى (١). وتُجمَعُ الأوقيّةُ أواقيَّ بالتشديد، كذلك قال أبو زيدٍ الأنصاريُّ وغيرُه من أهل اللغة، قال أبو زيد: وقد يُتجاوَزُ في الجمع فيقال: أواقٍ. وقال أبو حاتم: يقال: أوقيّةٌ وأواقيُّ، وبُخْتِيّةٌ وبَخاتيُّ (٢)، وأُمنيّةٌ وأمانيُّ، وسُرِّيّةٌ وسراريُّ. قال: وبعضهم يقول: بُخاتٍ، وأمانٍ، وسَرارٍ، وأواقٍ (٣).

وأما قولُ عائشة: "إنْ أحبَّ أهلُكِ أن أعُدَّها لهم عدَدْتُها لهم" ففيه دليلٌ على أنَّ العدَّ في الدراهم الصِّحاح تقومُ مقامَ الوزن، وأنَّ الشراءَ بها جائزٌ من غير ذكرِ الوزن، لأنها لم تقل: أزِنُها لهم. ولم يقل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: عددُ الأواقيِّ غيرُ جائز. ولو كان غيرَ جائزٍ لقال لهم: إنَّ العدَّ في مثل هذا لا يجوزُ.

وفي هذا الحديث أيضًا: دليلٌ على أنَّ التبايُعَ كان بينَ الناس في ذلك الزمان بالأواقيِّ، وبالنَّواة، وبالنَّشِّ، وهي أوزانٌ معروفةٌ، فالأُوقيّةُ: أربعونَ درهمًا،


(١) وهو المازنيُّ، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدريِّ، وهو في الموطأ ١/ ٣٣٣ (٦٥٢)، وقد سلف في الحديث الثالث له.
(٢) البُخْت والبُخْتيَّة، دخيلٌ في العربية، أعجميٌّ معرَّبٌ: وهي الإبل الخراسانيّة. ينظر: المحكم لابن سيده ٥/ ١٥٥، واللسان (بخت).
(٣) ينظر: تهذيب اللغة للأزهري ٩/ ٢٧٩، واللسان (وقى).

<<  <  ج: ص:  >  >>