للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن حُجتِهم: أنه لما لم يكنْ عليه واجبٌ أن يبيعَه ولا يهبَه، بإجماع، وفي الكتابةِ إخراجُ ملكِه عن يدِه بغيرِ تراضٍ ولا طيبِ نفس منه، كانت الكتابةُ أحرَى ألا تجبَ عليه، وكان ذلك دليلًا على أنَّ الآيةَ على الندب لا على الإيجاب. ويحتملُ أن يكونَ فعلُ عمرَ لأنسَ على الاختيارِ والاستحسان، لا على الوجوب.

وقال إسحاقُ بنُ راهُويةَ (١): لا يسعُ السيدَ إلّا أن يُكاتبَه إذا اجتمع فيه الأمانةُ والخير، من غيرِ أنْ يُجبرَه الحاكمُ عليه، وأخشَى أن يأثمَ إن لم يفعل.

وأمّا قولهُا: "إنِّي كاتبتُ أهلي على تسع أواقيَّ، في كلِّ عام أوقيّة". ففيه دليلٌ على أنَّ الكتابةَ تكونُ بقليل المال وكثيره، وتكونُ على أنجُم. وهذا ما لا خلافَ فيه بينَ العلماء، كلُّهم يقولُ - فيما علمتُ -: إنَّ الكتابةَ حكمُها أن تكونَ على أنجُم معلومة. قال الشافعيُّ: أقلُّها ثلاثة (٢).

واختلَفوا في الكتابة إذا وقعَت على نَجْم واحد، أو وَقَعت حالّةً، فأكثرُ أهل العلم يُجيزونَها على نجم واحد.

وقال الشافعيُّ (٣): لا تجوزُ على نجم واحد، ولا تجوزُ حالّةً البتة.

قال أبو عُمر: ليست كتابةً إذا كانت حالّةً، وإنّما هو عتقٌ على صفة، كأنّه قال: إذا أدَّيتَ إليَّ كذا وكذا فأنتَ حرّ.

وقد احتجَّ بهذا الحديث - أعني: بقوله فيه: "في كلِّ عام أُوقيّةٌ" - مَن أجاز النجومَ في الدُّيونِ كلِّها على مثل هذا، في كلِّ شهرٍ كذا، وفي كلِّ عام كذا، ولا يقول: في أولِ الشهرِ أو وسَطِه أو آخرِه. وأبَى من ذلك آخرونَ حتى يُسمّيَ الوقتَ من الشهرِ والعام، ويكونَ محدودًا معروفًا.


(١) كما في الأوسط لابن المنذر ١١/ ٤٦٢.
(٢) ينظر: الأم ٨/ ٨٥.
(٣) في الأم ٨/ ٨٥، وينظر: الأوسط لابن المنذر ١١/ ٤٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>