للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال يحيى بنُ أبي كثير: وكان عليُّ بنُ أبي طالب ومروانُ بنُ الحَكَم يقولان ذلك (١). وبه كان عكرمةُ يُفتي، وكان يقول: المكاتَبُ يودَى (٢) بقدرِ ما أُعتِقَ منه، وإن جنَى جنايةً، أو أصاب حدًّا، فبقدرِ ما أُعتِقَ منه.

وقد ناظَر عليَّ بنَ أبي طالب زيدُ بنُ ثابتٍ في المكاتَب، فقال لعليٍّ: أكنتَ راجِمَه لو زنَى، أو مجيزًا شهادتَه إن شَهِد؟ فقال عليٌّ: لا. فقال زيدٌ: فهو عبدٌ ما بقيَ عليه شيءٌ.

وفيه: إجازةُ بيع المكاتَبِ إذا رضِيَ بالبيع وإن لم يكنْ عاجزًا عن أداءِ نجم قد حَلَّ عليه، خلافَ قولِ مَن زعَم أنَّ بيعَ المكاتَبِ غيرُ جائزٍ إلّا بالعجز؛ لأنَّ بَريرةَ لم تذكُرْ أنها عجَزت عن أداءِ نجم، ولا أخبَرت بأنَّ النجمَ قد حلَّ عليها، ولا قال لها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أعاجزةٌ أنتِ؟ أم: هل حلَّ عليكِ نجمٌ فلمْ تؤدِّيه؟ ولو لم يجزْ بيعُ المكاتَبِ والمكاتَبةِ إلّا بالعجزِ عن أداءِ نجم قد حلَّ، لكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قد سألها: أعاجزٌ هي أم لا؟ وما كان ليأذَنَ في شرائها إلّا بعدَ علمِه - صلى الله عليه وسلم - أنّها عاجزةٌ ولو عن أداءِ نجم واحد قد حلَّ عليها، وفي خبر الزهريِّ أنَّها لم تكنْ قضَت من كتابتِها شيئًا، ولا أعلمُ في هذا الباب حجةً أصحَّ من حديثِ بَريرَةَ هذا، ولم يُروَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - شيءٌ يعارِضُه، ولا في شيءٍ من الأخبارِ دليلٌ على عجزِها.

وأمّا اختلافُ الفقهاء في بيعِ المكاتَب، فإنَّ ابنَ شهاب وأبا الزِّناد وربيعةَ كانوا يقولون: لا يجوزُ بيعُه إلّا برضًا منه، فإن رضيَ بالبيع فهو عجزٌ منه، وجاز بيعُه.

وقال مالكٌ: لا يجوزُ بيعُ المكاتَبِ إلّا أن يعجِزَ عن الأداء، فإن لم يَعجِزْ فليس له ولا لسيدِه بيعُه.

قال: وإذا كان المكاتَبُ ذا مالٍ ظاهر، فليس له تعجيزُ نفسه، وإن لم يظهَرْ له


(١) أخرجه الطيالسي في مسنده (٢٨٠٩)، وابن أبي شيبة في المصنَّف (٢٨٤٤١)، والبيهقي في الكبرى ١٠/ ٣٢٦ (٢٢١٧٧) و (٢٢١٧٨).
(٢) كتب ناسخ الأصل في الحاشية أنه في نسخة أخرى: "يرث".

<<  <  ج: ص:  >  >>