للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - شُعراءُ يُناضِلون عنه وَيرُدُّون عنه الأذى: وهم حسانُ بنُ ثابت، وكعبُ بنُ مالك، وعبدُ الله بنُ رواحة، وفيهم نزلت: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشعراء: ٢٢٧]؛ لأنه لمّا نزلت: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ} [الشعراء: ٢٢٤ - ٢٢٦]. جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسولَ الله، قد أنزَل اللهُ هذا في الشعراء. فنزلت: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا}، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنتُمْ هُم". {وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [الشعراء: ٢٢٧]. قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنتُمْ هُم" (١).

وفي هذا دليلٌ بيِّنٌ على أن الشِّعرَ لا يضُرُّ من آمَن وعمِل صالحًا وقال حقًّا، وأنه كالكلام المنثور، يؤجَرُ منه المرءُ على ما يؤجرُ منه، ويُكرَه له منه ما يُكرَهُ منه. واللهُ أعلم.

قال أبو عُمر: وأما قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "لأن يمتلئ جوفُ أحدِكم قَيْحًا حتى يَرِيَه، خيرٌ من أن يمتلئ شِعرًا" (٢). فأحسنُ ما قيل في تأويلِه، واللهُ أعلم، أنه الذي قد غلَب الشِّعرُ عليه وامتلأ صدرُه منه دونَ عِلمٍ سِواهُ، ولا شيءَ من الذِّكرِ غيرُه ممّن يخوضُ به في الباطل، ويسلُكُ به مسالكَ لا تُحمَدُ له، كالمُكْثِر من الهَذَر، واللَّغَط، والغِيبة، وقبيح القَوْل، ولا يَذكُرُ اللهَ كثيرًا، وهذا كلُّه ممّا اجتمَع العلماءُ على معنى ما


(١) ينظر ما روي في ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه وغيره: المصنَّف لابن أبي شيبة (٢٦٥٧٤)، والأدب المفرد للبخاري (٨٧١)، وتفسير ابن جرير الطبري ١٩/ ٤١٨ - ٤١٩، وتفسير ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٣٤ - ٢٨٣٥.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ١٣/ ٢٥٨ (٧٨٧٤)، والبخاري (٦١٥٥)، ومسلم (٢٢٥٧) (٧)، والترمذي (٢٨٥١)، وابن ماجة (٣٧٥٩) من حديث أبي صالح ذكوان السمّان، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يريه" قال أبو عُبيد: هو من الوَرْي، مثال: الرَّمْي: داءٌ يُداخِلُ الجوْف، وهو القيحُ يأكل جوْفه. غريب الحديث ١/ ٣٥ - ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>