للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلتُ منه. ولهذا قلنا فيما رُوِيَ عن ابنِ سيرين، والشّعبيِّ، ومَن قال بقولهما من العلماء: الشعرُ كلامٌ، فحسَنُه حسَنٌ، وقبيحُه قبيحٌ: إنه قولٌ صحيحٌ. وبالله التوفيق.

وأما قولُه في حديث مالك: "فرفَع بلالٌ عَقيرَتَه" فمعناه: رفَع بالشِّعرِ صوتَه كالمتغَنِّي به ترنُّمًا، وأكثرُ ما تقولُ العرب: رفَع عقيرتَه: لمَن رفَع بالغناءِ صوتَه (١).

وفي هذا الحديثِ دليلٌ على أن رَفْعَ الصوتِ بإنشادِ الشعرِ مباحٌ، ألا ترَى أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يُنكِرْ على بلالٍ رَفْعَ عَقيرته بالشِّعر؟ وكان بلالٌ قد حَمَلَهُ على ذلك شدَّةُ تشوُّقِه إلى وطنِه، فجرَى في ذلك على عادتِه، فلم يُنكِرْ ذلك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -.

وهذا البابُ من الغناءِ قد أجازه العلماء، وورَدتِ الآثارُ عن السَّلفِ بإجازته، وهو يُسمَّى غناءَ الرُّكبان، وغِناءَ النَّصْب (٢)، والحُداء، هذه الأوجُهُ من الغناءِ لا خلافَ في جوازِها بين العلماء.

روَى ابنُ وَهْب، عن أسامةَ وعبدِ الله ابنَي زيدِ بنِ أسلم، عن أبيهما زيدِ بنِ أسلم، عن أبيه، أن عمرَ بنَ الخطاب قال: الغناءُ من زادِ الراكب. أو قال: زادِ المسافر (٣).

أخبرنا أحمدُ بنُ محمد (٤)، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ الفضل، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ


(١) العقيرة: الساق المقطوعة؛ وأصلُه كما ذكر أبن فارس وغيره: أنّ رجلًا قُطعت إحدى رِجْلَيه فرفعها ووضعها على الأخرى وأقبلَ يبكي عليها، فصار كلُّ من رفع صوتَه مُتغنِّيًا أو باكيًا قد رفع عقيرتَه. ينظر: مجمل اللغة ١/ ٦٢٢، والصحاح (عقر).
(٢) النَّصْب: ضرْبٌ من غناء الأعراب، يقال: نصَبَ الراكبُ نصْبًا: إذا غنَّى النَّصْبَ. تهذيب اللغة للأزهريّ ١٢/ ١٤٨.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (١٤١٤٧)، والبيهقيُّ في الكبرى ٥/ ٦٨ (٩٤٤٩) من طريقين عن أسامة بن زيد بن أسلم وحده، به. بلفظ: "زاد الراكب"، وإسناده صحيح. ابن وهب: هو عبد الله.
(٤) هو أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد، أبو عمر، يعرف بابن الجسُور الدَّينوري، وشيخه أحمد بن الفضل: هو ابن العباس الدّينوري، وشيخه محمد بن جرير: هو الطبري.

<<  <  ج: ص:  >  >>