للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

روَى ابنُ شهاب (١)، وهشامُ بنُ عُروة (٢)، عن عُروةَ، عن عائشة، أن أبا بكر دخَل عليها وعندَها جاريَتانِ تُغنِّيان في يوم عيد، أو في أيام منًى، ويضرِبان بالدُّفِّ ورسولُ الله - صلي الله عليه وسلَّم - يَسمعُ ذلك ولا ينْهاهما، فانتهَرهما أبو بكر، فقال رسولُ الله - صلي الله عليه وسلَّم -: "دَعْهما يا أبا بكر، فإنها أيامُ عيد".

وفي كلا الوجهين آثارٌ عن السَّلَف كثيرةٌ تركتُ ذِكْرَها؛ لأنَّ مدارَ الباب كلِّه على ما أورَدْنا فيه، واللهَ أسألُه العِصْمةَ والتوفيق.

وقد رُوِيت الرُّخصةُ في الألحان التي تَعرِفُها العربُ ورفع العَقيرةِ بها دونَ ألحانِ الأعاجم المكروهة، عن جماعة من علماء السَّلف، لو ذكَرناهم لطالَ الكتابُ بذِكْرِهم، وحسبُكَ منهم بسعيدِ بنِ المسيِّب، ومحمدِ بنِ سِيْرين، وهما ممّن يُضرَبُ المثلُ بهما.

ذكَر وكيع محمدُ بنُ خلف، قال: حدَّثني عبدُ الله بنُ أبي سعد، قال: حدَّثني الحسنُ بنُ عليٍّ بنِ منصور، قال: أخبرني أبو عتّاب، عن إبراهيمَ بنِ محمدِ بنِ العباسِ المطَّلبيِّ، أنَّ سعيدَ بنَ المسيب مرَّ في بعض أزِقَّةِ مكة، فسمِع الأخضرَ الجُدِّيَّ يتغنَّى في دارِ العاصي بن وائل:

تضوَّعَ مسكًا (٣) بطنُ نَعمانَ أن ... مَشَت به زينبٌ في نسوةٍ خَفِراتِ

فضَرب سعيدٌ برجلِه، وقال: هذا والله ما يَلذُّ استماعُه! ثم قال:

وليسَت كأخْرَى أوسَعت جَيبَ دِرْعِها ... وأبْدَت بَنانَ الكفِّ بالجَمَراتِ


(١) أخرجه أحمد في المسند ٤١/ ٨٨ (٢٤٥٤١)، والبخاري (٩٨٧) و (٣٥٢٩)، ومسلم (٨٩٢) (١٧).
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٤١/ ٢١٦ (٢٤٦٨٢)، والبخاري (٩٥٢)، ومسلم (٨٩٢) (١٦) بلفظ: "دعهما يا أبا بكر، إنّ لكلِّ قوم عيدًا، وإنّ عيدَنا هذا اليومُ".
(٣) قوله: "تضوَّع مِسْكًا" أي: تحرَّك وانتشرت رائحتُه. ينظر: الصحاح (ضوع).
وقوله بعده: "بطن نعمان" نَعْمان: وادٍ في طريق الطائف يخرج إلى عرفات، ويقال له: نَعْمان الأراك. ينظر: الصحاح (نعم).

<<  <  ج: ص:  >  >>