للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من بعض، فأقضيَ له على نحوِ ما أسمَعُ منه، فمَن قضَيتُ له من حقِّ أخيه بشيءٍ فلا يأخُذْه، فإنما أقطَعُ له قطعةً من النار". فبكَى الرجلان، وقال كلُّ واحدٍ منهما لصاحبه: حقِّي لك. فقال لهما النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أمّا إذ فعَلتُما، فاقتسِما وتوخَّيا الحقَّ، ثم اسْتَهِما، ثم تحلَّلا".

وفي هذا الحديث أيضًا من الفقهِ مع الأحكام التي قدَّمنا في حديثِ مالك، جوازُ الصُّلح على الإنكار، خلافَ قول الشافعيِّ.

وفيه أن للشَّريكين أن يقتسِما من غيرِ حُكْم حاكم، وأن الهِبةَ تصحُّ بالقول، ولا يحتاجُ إلى قَبْضٍ في الوَقْت؛ لقوله: حقِّي لك. ولم يقلْ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلَّم -: لا يصِحُّ لك حتى تقبِضَه. ومن هاهنا قال مالك: تصِحُّ المطالبةُ بالهية قبلَ القبضِ لتُقبَضَ (١).

وفيه جوازُ البراءة من المجهولِ والصُّلح منه وهِبَته.

وفيه جوازُ الاجتَهادِ للحاكم فيما لم يكُنْ فيه نصٌّ. وفيه جوازُ التحرِّي في أداء المظالم.

وفيه استعمالُ القُرعةِ عند استواءِ الحُقوق.

وفيه جوازُ ترديد الخصوم حتى يصطلحوا، وقد جاء ذلك عن عُمرَ رحمه الله نصًّا (٢)، وذلك فيما أُشكِلَ، لا فيما بانَ، واللهُ المستعان.


(١) ينظر: المدوّنة ٤/ ٣٩٠.
(٢) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف ٨/ ٣٠٣ (١٥٣٠٤)، وابن أبي شيبة في المصنَّف (٢٣٣٤٩)، وابن شبّة في تاريخ المدينة ٢/ ٧٦٩، وابن المنذر في الأوسط ٦/ ٥٥٢ (٦٥١١)، والبيهقي في الكبرى ٦/ ٦٦ (١١٦٩٤) من طرق عن محارب بن دثار، عنه رضي الله عنه أنَّه قال: "ردُّوا الخصومَ حتَّى يصطلحوا، فإنّ فصْلَ القضاءِ يُورِث الضغائنَ بين الناس" وزاد عبد الرزاق حيث رواه عن سفيان الثوري، قوله في آخره: "ولكنّا وضَعْنا هذا إذا كانت شُبهةٌ، وكانت قرابةٌ، فأما إذا تبيَّن له القضاءُ، فلا ينبغي له أن يَرُدَّهُم". وإسناده ضعيف لانقطاعه، محارب بن دثار وإن كان ثقة إلّا أنَّه لم يُدرك عمر رضي الله عنه. وينظر: المحلّى لابن حزم ٨/ ١٦٤ و ٩/ ٤٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>