للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال حمادٌ: وقال هشام: إذا رأى دمًا أو جنابةً أو نجاسةً أعاد وإن ذهَب الوقت. وقاله أبو قلابة (١). وهو قولُ أبي حنيفة، والشافعيِّ، وأحمدَ، وأبي ثور، والطبريِّ؛ لأنَّ الإعادةَ إذا وجَبتْ لم يُسقِطْها خروجُ الوقت (٢).

ولا فرقَ في القياس بينَ البدنِ والثوب، وقد تقدَّمت الحجَّةُ في هذا الباب لكِلا القولَين (٣).

والذي يَصِحُّ عندي في مذهبِ مالكٍ بما أقطَعُ على صحَّتِه عنه فيما دلَّ عليه عُظْمُ مذهبِه في أجوبتِه، أنه مَن صلَّى بثوبٍ نجِسٍ فيه نجاسةٌ ظاهرةٌ لا تَخفَى، فإنه يُعيدُ أبدًا، كمَن صلَّى بماءٍ قد ظهَرت فيه النجاسةُ فغيّرتْه، أو كمَن تيمَّم على موضع النجاسةُ فيه ظاهرةٌ غالبةٌ، ومَن صلَّى بثوبٍ قد استيقَنَ فيه نجاسة، إلا أنها غيرُ ظاهرةٍ فيه، أعاد في الوقت، وعليه أن يغسِلَه كلَّه لما يستقبَلُ، كمَن توضَّأ بماءٍ لم تُغيِّره النجاسةُ، أو تيمَّم على موضع لم تَظهَرْ فيه نجاسة. هذا عندي أصحُّ ما يَجيء على مذهبِ مالك، وما استوحِشُ ممّن خالَفني عنه في ذلك، وبالله العصمةُ والتوفيقُ لا شريكَ له.

وأما قولُ مَن راعَى (٤) في النجاساتِ قدرَ الدِّرهم، فقولٌ لا أصلَ له ولا معنى يَصحُّ؛ لأنَّ التحديدَ لا يثبُتُ إلا من جهةِ التوقيفِ لا من جهةِ الرأي.


(١) ينظر: المصنَّف لابن أبي شيبة (٣٩٨٦).
(٢) ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود، ص ٦٢، ورواية ابنه عبد الله، ص ٦٥ (٢٣٣)، والأوسط لابن المنذر ١/ ٣٨٥، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ١٣٢ - ١٣٣.
(٣) يأتي بعد هذا في الأصل: "وأما قولُ من راعى في النجاساتِ قدرَ الدِّرهم، فقولٌ لا أصلَ له ولا معنى يَصحُّ؛ لأنَّ التحديدَ لا يثبُتُ إلا من جهةِ التوقيفِ لا من جهةِ الرأي"، وهي تكرار لما سيأتي بنصه، ولا معنى لوجودها في هذا الموضع.
(٤) في الأصل: "رأى"، خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>