للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقياسُهم ذلك على حَلْقةِ الدُّبُرِ في الاستنجاء، مع إقرارِهم أن ذلك موضعٌ مخصوصٌ بالأحجار؛ لأنها لا تُزيلُ النجاسةَ إزالةً صحيحةً كالماء، وأنّ ما عدا المَخْرجَ لا يُطهِّرُه إلا الماء، أو ما يَعملُ عَمَلَ الماءِ عندَهم في إزالةِ عينِ النَّجاسة، قياسًا على غيرِ نظيرٍ ولا علَّةٍ معلولة، وبالله التوفيق.

وأما قوله: "ثم لتَنْضَحْه بالماء، ثم لتُصَلِّ فيه" فيَحتمِلُ أن يكونَ النَّضحُ هاهنا الغَسْلَ، على ما بيَّنّا في غيرِ موضع من كتابنا هذا. ويَحتملُ أن يكونَ النَّضْحُ الرَّشَّ لما شُكَّ فيه ولا يُرَى، فيقطَعُ بذلك الوسوسة، إذ الأصلُ في الثوبِ الطهارةُ حتى تُستيقَنَ النجاسةُ، فإذا استوقِنتْ لزِم الغسلُ والتطهيرُ. وأما الرَّشُّ، فلا يُزيلُ نجاسةً في النظر، وقد بيَّنّا أيضًا هذا المعنَى في مواضعَ من هذا الكتاب، ولولا أن السلفَ جاء عنهم النَّضْحُ ما قلنا بشيءٍ منه، ولكن قد جاءَ عن عُمرَ حينَ أجنَبَ في ثوبه: أغسِلُ ما رأيتُ، وأنضَحُ ما لم أرَ (١). وعن أبي هريرةَ وغيرِه مثلُ ذلك (٢). وذلك عندي، والله أعلمُ، قطعٌ لحَزازات النُّفوس ووَساوِس الشيطان.


(١) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٩٥ (١٢٥) عن هشام بن عروة عن أبيه، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أنه اعتمر مع عمر في ركْبٍ فيهم عمرو بن العاص، فذكره.
وأخرجه عبد الرزاق في المصنَّف ١/ ٣٦٩ (١٤٤٥) عن عبد الملك بن جريج عن هشام بن عروة، به.
قال الزرقاني في شرح الموطأ ١/ ٢٠٨: "قال أبو عبد الله: هذا ممّا عُدَّ أنّ مالكًا وهِمَ فيه؛ لأنّ أصحاب هشام الفضلَ بنَ فَضالةَ وحمَادَ بنَ سلمةَ ومعمرًا قالوا: عن هشام عن أبيه، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه، فسقط لمالك: عن أبيه".
قلنا: ورواية معمر بن راشد أخرجها عنه عبد الرزاق في المصنَّف ١/ ٣٧٠ (١٤٤٦)، وابن المنذر في الأوسط ٢/ ٢٨١ (٧١٦).
(٢) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف ١/ ٣٦٩ (١٤٤١)، وابن أبي شيبة في المصنَّف (٩٠٤) عن معمر بن راشد، عن محمد بن شهاب الزهري، عن طلحة بن عبد الله بن عوف، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: "إذا علمتَ أنك احتَلَمْتَ في ثوبك ولم تجِدْهُ فاغسلِ الثوبَ كلَّه، فإن شككتَ أصابَه شيءٌ أم لا، فارشُشِ الثوبَ".
وأخرجه ابن المنذر في الأوسط ٢/ ٢٨٦ (٧٢٩) من طريق عبد الرزاق، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>