للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذا متواترة (١)، وأهلُ السُّنةِ والجماعةِ كلُّهم على الإيمانِ بذلك، ولا ينكرُه إلا أهلُ البِدَع.

وفي قوله: "مثلَ أو قريبًا من فتنةِ الدَّجّال" دليلٌ على أنهم كانوا يُراعون الألفاظَ في الحديث المُسنَد، وهذا في طائفةٍ من أهل العلم، وطائفةٌ يُجيزون الحديثَ بالمعاني، وهذا إنما يصحُّ لمن يعرفُ المعانيَ ومذاهبَ العرب، وهو مذهبُ ابن شهاب، وعطاء، والحسن، وجماعةٍ غيرهم (٢)، وكان مالكٌ لا يجيزُ الإخبارَ بالمعاني في حديثِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لمَن قدَر على الإتيانِ بألفاظِه.


(١) ومنها: حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الطويل، أخرجه أحمد في المسند ٣٠/ ٤٩٩ - ٥٠٣ (١٨٥٣٤)، وأبو داود (٤٧٥٣) وغيرهما بإسناد صحيح من طريق سليمان بن مهران الأعمش عن المنهال بن عمر، عن زاذان أبي عبد الله، ويقال: أبي عمرو الكندي، عنه رضي الله عنه مرفوعًا. وقد سلف وغيره من الأحاديث الواردة في هذا الباب أثناء شرح الحديث التاسع عشر لنافع مولى عبد الله بن عمر، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وسيأتي على ذاكره المصنف مرة أخرى أثناء هذا الشرح مع ذكر بعض ألفاظه.
(٢) وإلى هذا ذهب الجمهور من أهل العلم على أنّ الرواية بالمعنى جائزة، ولهذا نقل ابن رجب الحنبلي عن الترمذي قوله: "فأمّا مَن أقام الإسناد وحفظَه وغيَّر اللفظ،، فإنّ هذا واسعٌ عند أهل العلم، إذا لم يتغيَّر به المعنى".
وقد دلّل الترمذي على ذلك بما رواه بأسانيده عن جماعة من الصحابة والتابعين جواز الرواية بالمعنى، فروى بإسناده من حديث مكحول الشامي عن واثلة بن الأسقع قوله: "إذا حدّثناكم على المعنى فحَسْبُكم". ومن طريق أيوب السختياني عن محمد بن سيرين قوله: "كنت أسمع من عشرة، اللفظ مختلفٌ والمعنى واحدٌ"، وعن وكيع بن الجراح قوله: "إن لم يكن المعنى واسعًا، فقد هلك الناس".
وقد بيَّن ابن رجب مرادَ الترمذي من هذه الروايات فقال: "مقصود الترمذي بهذا الفصْلِ أنّ مَن أقام الأسانيدَ وحفظَها، وغيَّر المتونَ تغييرًا لا يُغيِّر المعنى أنه حافظٌ ثقةٌ يُعتبر بحديثه. وبنى على ذلك أن رواية الحديث بالمعنى جائزةٌ، وحكاه عن أهل العلم، وكلامُه يُشعر بأنه إجماعٌ، وليس كذلك، بل هو قولُ كثير من العلماء، ونصَّ عليه أحمد، وقال: ما زال الحفّاظُ يُحدِّثون بالمعنى، وإنما يجوز ذلك لمن هو عالمٌ بلُغات العرب، بصيرٌ بالمعاني، عالمٌ بما يُحيل المعنى، وما لا يُحيله. نصَّ على ذلك الشافعي". شرح علل الترمذي ١/ ٤٢٥ - ٤٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>