للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عزَّ وجلَّ: {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: ٤٣].

ومعلومٌ أنّ السجودَ بعدَ الركوع، وإنّما أرادَ الجمعَ لا الرُّتبة. هذا جُملةُ ما احتجَّ به من احتَجَّ للقائلين بما ذكَرنا.

وأما الذين ذهَبوا إلى إبطال وُضوءِ مَن لم يأت بالوُضوء على ترتيب الآية، وإبطالِ صلاتِه إنْ صلَّى بذلك الوُضوء المنكُوسِ - منهم الشافعيُّ وسائرُ أصحابِه والقائلين بقوله إلّا المُزنيَّ، ومنهم أحمدُ بن حنبلٍ، وأبو عبيدٍ القاسمُ بن سلّامٍ، وإسحاقُ ابن راهويَة، وأبو ثَورٍ، وإليه ذهَب أبو مصعبٍ صاحبُ مالكٍ، ذكَره في "مختصَرِه" وحكَاه عن أهل المدينة ومالك معهم - فمن الحُجَّةِ لهم أنّ الواو تُوجِبُ الرُّتبةَ والجمعَ جميعًا. وحكَى ذلك بعضُ أصحابِ الشافعيِّ، في كتاب "الأصول"، له، عن نحويِّي الكوفةِ: الكِسائيِّ، والفَرَّاء، وهشام بن معاويةَ، أنّهم قالوا في واو العطف: إنّها تُوجِبُ الجَمْعَ، وتدُلُّ على تَقدِمة المُقدَّم في قولهم: أَعْطِ زيدًا وعَمْرًا، قالوا: وذلك زيادةُ بيانٍ (١) في فائدة الخطاب مع الجمع.

قالوا: ولو كانت الواوُ تُوجِبُ الرُّتبةَ أحيانًا ولا تُوجِبُها أحيانًا، ولم يكنْ بُدٌّ من بيان مُرادِ الله عزَّ وجلَّ في الآية على ما زعَمَ مُخالفُونا، لكانَ في بيانِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لذلك بفعلِه ما يُوجِبُه؛ لأنه مُذ بعَثَه الله إلى أن ماتَ لم يَتوضَّأ إلّا على الترتيب، فصارَ ذلك فرضًا؛ لأنّه بيانٌ لمرادِ الله عزَّ وجلَّ فيما احتملَ التَّأويلَ من آيةِ الوضوء، كتَبيينه عددَ الصلوات، ومقدارَ الزَّكوات، وغيرَ ذلك من بيانِه للفرائضِ المُجمَلاتِ التي لم يُختلَفْ أنّها مفروضاتٌ، فمَن توضَّأ على غير ما كان يفعَلُه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يُجْزِئْه؛ بدليلِ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كلُّ عملٍ ليس عليه أمرُنا (٢)


(١) سقطت من الأصل، وهي ثابتة في بقية النسخ.
(٢) في الأصل: "على عملنا". وما هنا من ف ١، وهو الموافق لما في مصادر التخريج.

<<  <  ج: ص:  >  >>