للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا - في قول الرَّجُل: أَعطِ زيدًا وعَمْرًا دينارًا -: إنّ ذلك إنّما يُوجِبُ الجمعَ بينهما في العطاء، ولا يُوجِبُ تَقدِمةَ زيدٍ على عمرٍو، فكذلك قولُ الله عزَّ وجلَّ: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦]. إنّما يُوجِبُ ذلك الجمعَ بين الأعضاءِ المذكورة في الغَسل، ولا يوجبُ النَّسَقَ، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦]. فبدَأ بالحجِّ قبلَ العُمرة، وجائزٌ عندَ الجميع أنْ يعتَمِرَ الرَّجُلُ قبل أنْ يحُجَّ، وكذلك قولُه: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣، ٨٣، ١١٠، النساء: ٧٧، النور: ٥٦، المزمل: ٢٠]. جائزٌ لِمَن وجبَ عليه إخراجُ زكاةِ مالِه في حين وقتِ صلاةٍ أن يبدَأ بإخراج الزكاةِ، ثم يُصلِّي الصلاةَ في وقتها عندَ الجميع، وكذلك قولُه: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢]. لا يختلفُ العلماءُ أنّه جائزٌ لمَن وجَب عليه في قتلِ الخَطإ إخراجُ الدَّية وتحريرُ الرقبةِ أن يُخْرِجَ الدِّيةَ ويُسلِّمَها قبلَ أن يُحرِّرَ الرَّقبةَ. وهذا كلُّه منسُوقٌ بالواو، ومثلُه كثيرٌ في القرآن، فدلَّ على أنَّ الواوَ لا تُوجِبُ رُتبةً.

وقد رُوِيَ عن عليِّ بن أبي طالبٍ (١)، وعبدِ الله بن مسعودٍ (٢)، أنهما قالا: ما أُبالي بأيِّ أعضائي بدَأْتُ في الوضوء إذا أتمَمْتُ وضوئي، وهم أهلُ اللِّسان، ولم يَبِنْ لهم من الآية إلّا معنَى الجَمع لا معنَى التَّرتيب، وقد أجمَعوا أنّ غَسلَ الأعضاءِ كلِّها مأمورٌ به في غُسْلِ الجَنابةِ، ولا ترتيبَ في ذلك عندَ الجميع، فكذلك غُسلُ أعضاءِ الوضوء لأنّ المعنى في ذلك الغَسلُ لا التَّبديةُ، وقد قال الله


(١) أخرجه ابن أبي شيبة (٤٢١) ومن طريقه الدارقطني في السنن (٢٩٣)، وابن سلّام في كتابه الطهور (٢٩١)، قال البيهقي في الكبرى ١/ ٨٧: على أنه منقطع، روى أحمد بن حنبل عن الأنصاري عن عون عن عبد الله بن عمرو بن هند هذا الحديث ثم قال: قال عون: ولم يسمعه من علي رضي الله عنه.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة (٤٢٣) ومن طريقه الدارقطني ١/ ١٥٣ وقال: هذا مرسل، ولا يثبت.

<<  <  ج: ص:  >  >>