للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى حديثِنا، وما رجَونا أن يكونَ تفسيرًا له، والآثارُ المرفوعةُ كلُّها في هذا المعنى تدُلُّ على أن الفتنة، واللهُ أعلمُ، مرةٌ واحدةٌ.

وكان عبيدُ بنُ عُمير - فيما ذكَر ابنُ جُريج، عن الحارثِ بنِ أبي الحارث عنه - يقول: يُفتَنُ رجلان؛ مؤمنٌ ومنافقٌ، فأما المؤمنُ فيُفتَنُ سبعًا، وأما المنافقُ فيُفتَنُ أربعين صباحًا (١).

قال أبو عُمر: الآثارُ الثابتةُ في هذا الباب إنما تدُلُّ على أن الفتنةَ في القبر لا تكونُ إلا لمؤمنٍ أو منافق، ممّن كان في الدُّنيا منسوبًا إلى أهل القبلةِ ودينِ الإسلام، ممن حَقَنَ دمَهُ بظاهرِ الشهادة، وأما الكافرُ الجاحدُ المُبطِلُ، فليس ممّن يُسألُ عن ربِّه ودينِه ونبيِّه، وإنما يُسألُ عن هذا أهلُ الإسلام، واللهُ أعلم، فيثبِّتُ اللهُ الذين آمنوا، ويرتابُ المُبْطِلُون، ألا ترَى إلى قولهم في تأويلِ قول الله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} الآية.

وأما ما جاء من الآثار في أن اليهودَ تعذَّبُ في قبورِها؛ ففي حديثِ أنس، أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ مع بلالٍ على البقيع، فقال: "ألا تسمَعُ ما أسمَعُ يا بلالُ؟ ". قال: لا والله يا رسولَ الله ما أسمَعُ. قال: "أما تسمَعُ أهلَ القبورِ يعذَّبون، يعني قبورَ الجاهلية" (٢).


(١) ذكره السيوطي في الدر المنثور ٥/ ٣٨ وعزاه لابن جرير الطبري، قال: "وأخرجه ابن جرير في مصنَّفه عن الحارث بن أبي الحارث عن عبيد بن عُمير" فذكره.
وهو في المصنَّف لعبد الرزاق ٣/ ٥٩٠ (٦٧٥٧) عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، قال: قال عبد الله بن عمر" ففيه "عبد الله بن عمر" بدل "عُبيد بن عمير" ونظنُّه تحريفًا، ويُرجّح ذلك أن الحافظ ابن حجر أورده في الفتح ٣/ ٢٣٨ - ٢٣٩ وعزاه لعبد الرزاق في مصنفه فقال: " ... رواه عبد الرزاق من طريق عُبيد بن عُمير - أحد كبار التابعين، قال: إنما يُفتن رجلان" فذكره.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٢٠/ ١٠ - ١١ (١٢٥٣٠) عن عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد، عن أبيه، عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (٨٥٣) والبيهقي في إثبات عذاب القبر (٩٤) من طريق عبد الوارث بن سعيد، به. وإسناده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>