للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هناك أنكَر "اليماني"، على أن ابنَ وَضّاح لم يروِ "موطأ القعنبيِّ"، وروَى "موطأ ابن القاسم"، و"موطأ ابن وَهْب"، وفيهما جميعًا "اليماني"، كما روَى يحيى، وهي بأيدي أهل بلدِنا في الشُّهرةِ كروايةِ يحيى، ولكنَّ الغلطَ لا يَسلمُ منه أحدٌ (١).

وأما إدخالُه في حديثِ عبدِ الرحمن بنِ عوف "الأسود" فكذلك رواه أكثرُ رواة "الموطأ"، فابنُ وَضّاح في هذا معذورٌ، ولكنه لم يكنْ يَنْبغي له أن يزيدَ في روايةِ الرجل، ولا يردَّها إلى روايةِ غيرِه، ففي ذلك من الإحالةِ ما لا يَرضاه أهلُ الحديث.

وهذا المعنى في الفقهِ كلُّه جائزٌ عندَ أهل العلم لا نكيرَ فيه، فجائزٌ عندَهم أن يستلمَ الركنَ اليمانيَ والركنَ الأسود، لا يختلفون في شيء من ذلك، وإنما الذي فرَّقوا بينَهما فيه التقبيلُ لا غيرُ، فرأَوْا تقبيلَ الركن الأسودِ والحجَر، ولم يرَوْا تقبيلَ اليماني، وأما استلامُهما جميعًا فأمرٌ مجتمعٌ عليه، وإنما اختلَفوا في استلام الركنين الآخرَين، وقد ذكَرنا اختلافَهم في ذلك في مواضعَ من كتابنا. والحمدُ للّه. وقد كان عُروةُ بنُ الزُّبير، وهو راويةُ هذا الحديث، يستلمُ الأركانَ كلَّها.

ذكَر مالكٌ في "الموطأ" (٢)، عن هشام بنِ عُروة: أن أباه كان إذا طافَ بالبيتِ يستلمُ الأركانَ كلَّها، قال: وكان لا يدَعُ الركنَ اليماني، إلا أن يُغلبَ عليه.

وذكَر ابنُ وَهْبٍ في "موطأ مالك" عن مالك، قال: سمِعتُ بعضَ أهلِ العلم يَستحبُّ إذا رفَع الذي يطوفُ يدَه على الركن اليماني أن يضعَها على فيه من غيرِ


(١) هذا من أوكد الأسباب التي ننادي بها بعدم جواز تغيير ما يظنه الرواة أو النساخ أو المحققون خطأ إلى ما يرونه صوابًا، مما دعانا إلى تأليف كتاب في هذا المعنى عنوانه: "تحقيق النصوص بين أخطاء المؤلفين وإصلاح الرواة والنساخ والمحققين"، نشرته دار الغرب الإسلامي.
(٢) ١/ ٤٩٢ (١٠٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>