للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: إن شعبةَ روَى عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صلَّى (١) خلفَ أبي بكر (٢). قيل له: ليس هذا بخلاف؛ لأنه يُمكنُ أن يكونَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - صلَّى خلفَ أبي بكرٍ في غيرِ تلك الصلاةِ في مرضِه ذلك، وليس بينَ المسلمين تنازعٌ في جوازِ صلاةِ الجالسِ المريضِ خلفَ الإمام القائم الصحيح؛ لأنَّ كلًّا يؤدِّي فرضَه على قدرِ طاقتِه، وإنما التنازعُ بينَهم في الصحيح القادرِ على القيام؛ هل يجوزُ له أن يُصلِّي جالسًا خلفَ إمام مريض جالسٍ في صلاتِه أم لا؟ فقال قومٌ: ذلك جائزٌ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا صلَّى جالسًا، فصلُّوا جلوسًا". وممن ذهَب إلى هذا أحمدُ بنُ حنبل، وإسحاقُ بنُ راهُويةَ، قالا: جائزٌ أن يُصلِّي الإمامُ بالناسِ جالسًا من علَّة، ويصلُّون وراءَه قعودًا وهم قادرون على القيام (٣). واحتجُّوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما جُعل الإمامُ ليُؤتمَّ به، فإذا رَكَعَ فاركَعُوا، وإذا رفَعَ فارفَعُوا، وإذا صلَّى جالسًا فصَلُّوا جُلوسًا".

قال أحمدُ بنُ حنبل: وفعَلَهُ أربعةٌ من أصحاب رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وهم جابر، وأبو هريرة، وأُسَيدُ بنُ حُضير، وقيسُ بنُ قَهْد (٤).

قال أبو بكر الأثرم: قلتُ لأحمد: فمَن احتجَّ بحديثِ عائشة: آخرُ صلاةٍ صلّاها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالسٌ وأبو بكرٍ قائم يأتمُّ به، والناسُ قائمون


(١) قوله: "صلّى" لم يرد في الأصل، وهو ثابت في بقية النسخ.
(٢) سيأتي بإسناد المصنِّف مع تخريجه.
(٣) ينظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية لإسحاق بن منصور الكوسج ٢/ ٧٢٢ - ٧٢٣ (٣٥٢)، ومسائل الإمام أحمد رواية أبي داود، ص ٦٥، ورواية ابنه صالح ٣/ ٢٣٩ (١٧٣٤)، والمغني لابن قدامة ٢/ ١٦٣.
(٤) ينظر: مسائل الإمام أحمد رواية ابنه صالح ٣/ ٢٤١، وشرح الزركشي على مختصر الخِرَقي ٢/ ١١٦، والمغني لابن قدامة ٢/ ١٦٢. وقد سلف تخريج أحاديث جابر وأبي هريرة وأسيد بن حُضير وقيس بن قهد أثناء شرح الحديث الثاني لابن شهاب الزهري.

<<  <  ج: ص:  >  >>