للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يأتمُّون بأبي بكر؟ فقال: قد كان الشافعيُّ يحتجُّ بهذا، وليس في هذا حُجَّةٌ؛ لأنَّ أبا بكرٍ ابتدأ الصلاةَ قائمًا بقيام (١).

قال أبو عُمر: فهذا قولٌ. وقال آخرون؛ منهم الشافعيُّ، وأبو ثور، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، وزُفرُ، والأوزاعيُّ (٢): جائز أن يقتديَ القائمُ بالقاعدِ في صلاةِ الفريضةِ وغيرها. وهو قولُ داود. وقالوا: لا يجوزُ لأحدٍ أن يصلِّي جالسًا وهو قادرٌ على القيام إمامًا كان أو مأمومًا.

قالوا: وجائزٌ أن يصليَ الإمامُ لعلةٍ تمنعُه من القيام وهو جالسٌ بقوم قيامًا؛ لأنَّ كلًّا يؤدِّي فرضَه على قدْرِ طاقتِه.

وحُجَّةُ قائلي هذه المقالةِ أن أبا بكرٍ كان واقفًا خلفَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالسٌ يقتدي به، والناسُ قيامٌ يصلُّون بصلاةِ أبي بكر في صلاةٍ واحدة. وروَى الوليدُ بنُ مُسلم، عن مالك، أنه أجاز للإمام المريضِ أن يصلِّي بالناس جالسًا وهم قيامٌ. قال: وأحَبُّ إليَّ أن يكونَ إلى جنبه مَن يُعلِمُ بصلاته، ونحوُ هذا مذهبُ الشافعيِّ.

وروَى جماعةُ أصحاب مالك، عن مالك، وهو المشهورُ من مذهبه، أن ليس لأحدٍ أن يؤمَّ جالسًا وهو مريضٌ بقوم أصحّاء، ومَن فعَل ذلك فصلاتُه فاسدةٌ وعليهم الإعادة؛ منهم مَن قال: في الوقت، ومنهم مَن قال: أبدًا، وبعضُهم قال: لا يعيدُ الإمامُ المريض، وبعضُهم قال: يعيدُ. كما ذكَرنا كلَّ ذلك، قاله أصحابُ مالك. وقد ذكَرنا الحُجّةَ لمالك، ومَن قال بقولِه في هذه المسألةِ مستوعبةً في بابِ ابنِ شهاب، عن أنسٍ من هذا الكتاب (٣)، والحمدُ لله.


(١) ونحو ذلك نقل عنه ابنه صالح في المسائل بروايته ٣/ ٢٣٩ - ٢٤٠.
(٢) ينظر: الأمّ للشافعيّ ١/ ١٩٩، ومختصر اخثلاف العلماء للطحاوي ١/ ٢٧٠ - ٢٧١.
(٣) في أثناء شرح الحديث الثاني لابن شهاب الزُّهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>