للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يحتمِلُ وجهًا آخر؛ وذلك أن يكونَ أراد القائلُ أنَّ أبا بكر كان الإمام، يعني كان إمامًا في أولِ الصلاة. وزاد القائلُ بأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان إمامًا؛ يعني أنه كان إمامًا في آخر تلك الصلاة. هذا لو صحَّ أنَّها كانت صلاةً واحدةً، ولو جاز أن تكونَ روايةُ عائشةَ متعارضة، لكانت روايةُ ابنِ عباسٍ التي لم يُختلفْ فيها قاضيةً في هذا الباب على حديثِ عائشةَ المختلَفِ فيه، وذلك أنَّ ابنَ عباس قال: إنَّ أبا بكرٍ كان يُصلِّي بصلاةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ويقتدِي به، والناسُ يُصلُّونَ بصلاةِ أبي بكرٍ كما قال هشامُ بنُ عُروة، عن أبيه في حديث عائشة. فبانَ بروايةِ ابنِ عباس أنَّ الصّحيحَ في حديثِ عائشةَ الوجهُ الموافقُ لقوله، وبالله التوفيق، لأنه يعضدُه ويشهدُ له.

وأما حديثُ ربيعةَ بن أبي عبد الرحمن (١) فمنقطعٌ لا حُجَّةَ فيه، وقد تكلَّمنا على معناه في تقديم أبي بكر، وقول ربيعة فيه: "ما مات نبيٌّ حتى يؤمَّه رجلٌ من أمتِه". فليس فيه ما يدلُّ على أن أبا بكرٍ المُقَدَّمُ؛ لأنه قد صلَّى - صلى الله عليه وسلم - خلفَ عبدِ الرَّحمن بنِ عوف في السَّفَر (٢). وقولُ ربيعةَ لا يتصلُ ولا يَحتجُّ به أحدٌ له أدنى فَهْم بالحديثِ اليوم، وكذلك ليس في قولِ مَن قال: لعلّه نُسخ؛ لأنه لم يفعلْهُ أبو بكرٍ ولا مَن بعدَه؛ ما يُشتغَلُ به.

أخبرنا عبدُ الله بنُ محمدِ بنِ عبدِ المؤمن، قال: حدَّثنا عبدُ الحميدِ بنُ أحمدَ الوراق، قال: حدَّثنا الخَضِرُ بنُ داود، قال: حدَّثنا أبو بكر الأثرم، قال: حدَّثنا عبدُ الله بنُ رَجاء، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أرقمَ بنِ شُرَحْبيل،


(١) سلف تخريجه في أثناء شرح الحديث الثاني لمحمد بن شهاب الزُّهريِّ عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٧٦ (٧٩) عن محمد بن شهاب الزُّهريّ، عن عبّاد بن زياد، من ولد المغيرة بن شعبة، عن أبيه المغيرة بن شعبة. وقد سلف في موضعه في (باب ابن شهاب عن عبّاد بن زياد) مع تمام تخريجه والكلام عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>