للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الأرقم بنِ شُرَحْبيل، عن ابنِ عباس، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - انتهى إلى أبي بكرٍ وهو يؤُمُّ الناس، فجلَس إلى جَنْبِ أبي بكرٍ عن يمينِه، وأخَذ من الآيةِ التي انتهَى إليها أبو بكر، فجعَل أبو بكرٍ يأتمُّ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والناسُ يأتمُّون بأبي بكر (١).

قال أبو عُمر: قد قال أبو إسحاقَ المَرْوزيُّ (٢): مَن جعل أبا بكرٍ المقدَّم، وأنكَر تقدُّمَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الصلاة، زعَم أن تقدُّمَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - خلافُ سُنَّتِه - صلى الله عليه وسلم -، وأن قيامَ أبي بكر إلى جنْبِه كذلك أيضًا ليس معروفًا من سنَّتِه ولا معنى له.

قال أبو إسحاق: وهذا خطأٌ من قائله؛ لأنَّ قيامَ أبي بكر إلى جنْبِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - له معنًى حسنٌ، وهو أن الإمامَ يحتاجُ إلى أن يسمعَ الناسُ تكبيرَه، ويحتاجُ إلى أن تظهرَ لهم أفعالُه، ويرَى قيامُه وركوعُه؛ ليقتدوا به، فلمّا ضعُف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، أقام أبا بكرٍ إلى جنبِه لينوبَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في إسماعِهم تكبيرَه، ورؤيتِهم لخفضِه ورفعِه؛ ليعلموا أنه يفعَلُ ذلك بفعلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كما يُفعلُ في مساجدِ الجماعات؛ أن يُقامَ فيها مَن يرفعُ صوتَه بالتكبيرِ لعجزِ الإمام عن إسماعِ جماعتِهم، فهذا المعنى في قيام أبي بكرٍ خلفَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وقد مضَى القولُ في خلافةِ أبي بكرٍ فيما تقدم من حديثِ هشام بنِ عُروة في هذا الكتاب (٣)، والحمدُ لله.


(١) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٢/ ٢٢١، وأحمد في المسند ٣/ ٤٨٨ (٢٠٥٥) عن يحيى بن زكريّا بن أبي زائدة، به. حديث صحيح، رجاله ثقات، ولكن رواية زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق: وهو عمرو بن عبد الله السَّبيعي بأخرة بعد اختلاطه، إلا أنه متابعٌ، تابعه إسرائيل كما في الرواية السالفة، وينظر فيها ما قيل في رواية أبي إسحاق عن أرقم بن شرحبيل.
(٢) هو إبراهيم بن أحمد المروزيّ، شيخ الشافعيّة، شرح المذهب ولخّصه، وانتهت إليه رئاسة المذهب، توفي سنة ٣٤٠ هـ. (تهذيب الأسماء واللغات ٢/ ١٧٥، ووفيات الأعيان ١/ ٢٦، وتاريخ الإسلام ٧/ ٧٣٥).
(٣) سلف في أثناء شرح الحديث العاشر له عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، وهو في الموطأ ١/ ٢٤٢ (٤٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>