للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والصحيحُ في هذا الباب أنه لا بأسَ بأكْلِ ما في البَحْرِ من دابّةٍ وحُوتٍ، وسواءٌ ميِّتُه وحيُّه في ذلك، بدليل هذا الحديث المذكورِ في هذا الباب، وبدليلِ قوله - صلى الله عليه وسلم - في البحر: "هو الطَّهورُ ماؤُه، الحلُّ ميْتتُه" (١). ولا وجهَ لقول من قال: إن أصحابَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا مضطرِّين ذلك الوقتَ إلى الميتة، فمن هاهنا جاز لهم أكلُ تلك الدابَّة. وهذا ليس بشيءٍ؛ لأنَّ أكْلَهم لم يكنْ على وجهِ ما تؤكَلُ عليه الميتةُ للضرورة، وذلك أنهم أقاموا عليها أيامًا يأكُلون منها، ومَنِ اضْطُرَّ إلى الميتةِ ليس يُباحُ له المقامُ عليها، بل يقال له: خُذْ منها ما تحتاجُ، وانتقِلْ منها إلى طلَب المُباح من القُوت. وقد ذكَرنا في باب صَفْوانَ بنِ سُلَيْم من صحيح الأثرِ ما يدُلُّ على أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أباحَ ذلك لغيرِ المضطرِّ. وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديثِ للبحر: "هو الطَّهُورِ ماؤُه، الحِلُّ مِيتتُه" ما يكفي ويُغْني عن كلِّ قائل، والحمدُ لله.

وقد احتجَّ بهذا الحديث من أجاز أكْلَ اللّحْم الذَّكيِّ إذا صَلَّ (٢) وأنْتَن، وليس في هذا الحديث بيانُ ذلك بما يرفَعُ الإشكال.

وقد رُوِيَ عن مالك أنه قال: لا بأسَ بأكلِ الطافي من السَّمَك ما لم يُنْتِنْ. وهو قولُ جمهورِ العلماء. وفي حديثِ أبي ثَعْلبةَ الخُشَنيِّ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له في الصيدِ الذي يغيبُ عن صاحبه: "يأكُلُه ما لم يُنْتِنْ" (٣). وعلى أن هذا الخبرَ في أكل هذه الدابَّة قد تأوَّل فيه قومٌ الضرورةَ كما ذكَرتُه لكَ.

وحديثُ أبي ثعلبةَ هذا حدَّثناه عبدُ الوارث بنُ سفيان، قال: حدَّثنا قاسمٌ (٤)،


(١) هو في الموطأ بالموضع المشار إليه التعليق السابق، وقد سلف مع تمام تخريجه.
(٢) يقال: صلَّ اللّحمُ وأصلَّ: إذا تغيَّرت رائحتُه، ولا يُستعمل ذلك إلّا في اللحم. قاله ابن دريد في جمهرة اللغة ١/ ١٤٣.
(٣) قاله في الموطأ ١/ ٦٣٦ (١٤١٩)، ونقله عنه ابن القاسم كما في المدوّنة ١/ ٥٣٢، ٥٣٣ بلفظ: "ما لم يَبِت" بدل: "ما لم يُنْتِن".
(٤) هو ابن أصبغ البيّانيّ، وشيخه ابن وضّاح: هو محمد بن وضاح بن بزيع.

<<  <  ج: ص:  >  >>