للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشافعيُّ: يُعيدُ السَّعْيَ وحدَه ليكونَ بعدَ الطَّواف، ولا شيءَ عليه. واختلَفوا، والمسألةُ بحالِها، إذا خرَج من مكةَ فأبْعَد، أو وطِئَ النساءَ؛ فقال مالكٌ: يرجِعُ فيطوفُ ويَسْعَى، وإن كان وطِئَ النساءَ اعتَمَر وأهْدَى. يعني إذا كان وَطْؤُه بعدَ رَمْيِه جَمْرةَ العَقَبةِ وبعدَ الوقوفِ بعرفَةَ.

وقال الشافعيُّ: يرجِعُ حيثُ كان، فيسعَى ويُهْدي، ولا معنَى للعمرة هاهنا.

ورُوِيَ عن أبي حنيفةَ مثلُ قولِ الشافعيِّ سواءً، ورُوِيَ عنه: إذا بلَغَ بلادَه أهدَى وأجزأه (١).

قال أبو عُمر: لا فَرْقَ عند مالكٍ والشافعيِّ بين مَن نَسِي السَّعْيَ بين الصَّفا والمروةِ وبين مَن قَدَّم السَّعْيَ على الطواف، وعليه أنْ يأتيَ بالسَّعْي عندَهما أبدًا وإن أبعَدَ، على ما قدَّمْنا من اختلافِهما في إعادةِ الطَّواف معه، فإن وَطِئَ كان عليه هَدْيُ بَدَنةٍ عندَ الشافعيِّ لا غيرُ، مع الإتيانِ بالسَّعْي، وكان عليه عندَ مالكٍ أن يطوفَ ويَسْعَى ويعتَمِرَ ويُهْدِيَ. وكذلك مَن نَسِي الطَّوافَ الواجبَ بالبيتِ سواءً عندَهما، كمَن نَسِي السَّعْيَ بين الصَّفا والمروة، على أصْل كلِّ واحدٍ منهما، لا فَرْقَ بين شيءٍ من ذلك عندَهما وعندَ من قال بقولِهما.

قال مالكٌ في "مُوَطئِه" (٢): من نَسِيَ السَّعْيَ بين الصَّفا والمروة في عُمْرَةٍ، فلم يَذْكُرْ حتى يستبْعِدَ من مكةَ، أنّه يَرجعُ فيَسْعَى، وإن أصاب النساءَ فليَرْجِعْ فليَسْعَ بين الصَّفا والمروة حتى يُتِمَّ ما بَقِيَ عليه من تلك العُمرة، ثم عليه عُمرةٌ أخرى والهَدْيُ.

قال أبو عُمر: إنّما أوجبَ مالكٌ في هذه المسألة العمرةَ والهَدْيَ؛ ليكونَ سَعْيُه في إحرام صحيح، لا في إحرام فاسدٍ بالوَطْءِ، وليكونَ طَوافُه بالبيتِ في إحرام صحيح، لا في إحرام فاسدٍ، واللهُ أعلمُ.


(١) انظر: المجموع شرح المهذب ٨/ ٧٢.
(٢) الموطأ ١/ ٥٠٢ (١٠٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>