على ما لا عِلْمَ لكم به. ولكنه كتَب إلى يهودَ حينَ كلَّمَتْهُ الأنصار:"إنه قد وُجِد قتيلٌ بينَ أبياتِكم فدُوهُ". فكتَبوا إليه يحلِفون باللّه ما قتلُوه، ولا يعلَمون له قاتلًا، فوداه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من عندِه.
قال أبو عُمر: ليس قولُ عبدِ الرحمن بنِ بُجَيْدٍ هذا مما يُرَدُّ به قولُ سَهْلِ بنِ أبي حَثْمة؛ لأنَّ سَهْلًا أخبَر عما رأى وعايَن وشاهَد حتى رَكَضتْهُ منها ناقةٌ واحدة، وعبدُ الرحمن بنُ بُجيدٍ لم يَلقَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ولا رآه، ولا شهِد هذه القصة، وحديثُه مرسلٌ، وليس إنكارُ مَن أنكَر شيئًا بحُجَّةٍ على مَن أثبتَهُ، ولكن قد تقدَّم عن سعيدِ بنِ المسيِّب وسُليمانَ بنِ يسار، عن رجالٍ من الأنصار، مخالَفةٌ في تَبدئةِ الأيمانِ في هذه القصة، وهو حديثٌ ثابتٌ (١).
وكذلك اختُلِف في حديثِ سَهْلِ بنِ أبي حَثْمة أيضًا، ولكنّ الرِّوايةَ الصحيحةَ في ذلك إن شاء الله، روايةُ مالكٍ ومَن تابعَه، عن يحمص بن سعيدٍ وغيرِه على ما ذكَرناه في هذا الباب.
ومن الاختلافِ في حديثِ سَهْل: ما حدَّثنا عبدُ الوارث بنُ سُفيان، قال: حدَّثنا قاسمُ بنُ أصبغَ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ إسماعيلَ الترمذيُّ، قال: حدَّثنا أبو نُعيم، قال: حدَّثنا سعيدٌ - يعني ابنَ عُبيدٍ الطائيَّ - عن بُشَيرِ بنِ يسار، أنَّ رجلًا من الأنصارِ يقال له: سَهْلُ بنُ أبي حَثْمة أخبَره، أنَّ نفَرًا من قومِه انطلَقوا إلى خَيْبرَ
(١) وللمصنِّف في قوله هذا سلفٌ، فقد قال الشافعيُّ رحمه الله في اختلاف الحديث ٨/ ٦٧١ بعد أن ساق هذا الحديث: "قال لي قائلٌ: ما يمْنَعُكَ أن تأخُذَ بحديث ابن بُجيد؟ قلت: لا أعلمُ ابنَ بُجيدٍ سمعَ من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا لم يكن سمعَ من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فهو مرسَلٌ، ولسنا ولا إيّاكَ نُثبِتُ المرسَلَ، وقد علمتَ سهلًا صحِبَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وسمعَ منه، وساق الحديث سِياقًا لا يُثبِتُه إلَّا الأثباتُ، فأخذْتُ به لِمَا وصفتُ. قال: فما منَعَك أن تأخُذ بحديثِ ابن شهاب؟ قلت: مرسلٌ، والقتيلُ أنصاريٌّ، والأنصاريُّون أوْلى بالعنايةِ بالعلم من غيرِهم إذا كان كلٌّ ثقةً، وكلٌّ عندنا بنعمةِ الله ثقةٌ".