للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإما أن يُؤذَنوا (١) بحرب". قالوا: ومعلومٌ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يقل ذلك لهم إلّا وقد تحقَّق عندَه قبلَ ذلك وجودُ القَتيل بخيبرَ، فدَلّ ذلك على وجوبِ الدلة على اليهود، لوجودِ القتيل بينَهم، لأنه لا يجوزُ أن يُؤذَنوا بحربٍ إلا بمنْعِهم حقًّا واجبًا عليهم.

واحتَجُّوا أيضًا بما رُوِيَ عن عُمرَ بنِ الخطابِ في رجُلٍ وُجِد قتيلًا بينَ قريتَين، فجعَله على أقربهما، وأحلَفهم خمسين يمينًا: ما قتَلنا، ولا علِمنا قاتلًا. ثم أغرَمهم الدِّيةَ. فقال الحارثُ بنُ الأزمع: نحلِفُ ونَغرَمُ؟ قال: نعم (٢).

قالوا: وحديثُ سَهْلٍ مضطربٌ. قالوا: والمصيرُ إلى حديثِ ابنِ شهاب، عن سعيدِ بنِ المسيِّب وأبي سَلَمة وسُليمانَ بنِ يسار، عن رجالٍ من الأنصارِ في هذه القصةِ أولى (٣)؛ لأنَّ نقلتَه أئمّةٌ فُقهاءُ حُفاظٌ لا يُعدَلُ بهم غيرُهم، وفيه: فجعَلَها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ديةً على اليهود، لأنه وُجِد بينَ أظهُرِهم.

وأما مالكٌ، والشافعيُّ، والليثُ بنُ سَعْد (٤)، فقالوا: إذا وُجِد قتيلٌ في محلّةِ قوم، أو في قبيلةِ قوم، لم يُستحَقَّ عليهم بوجودِه شيء، ولم تجِبْ به قَسامة. حتى تكونَ الأسبابُ التي شرَطوها، كلٌّ على أصلِه الذي قدَّمنا عنه.

قال ابنُ القاسم عن مالك (٥): سواءٌ وُجِد القتيلُ في محلّةِ قوم، أو دارِ قوم، أو أرضِ قوم، أو في سوق، أو مسجدِ جماعة، فلا شيءَ فيه ولا قسامة، وقد طُلّ دمُه.


(١) في ي ٢: "تأذنوا".
(٢) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار ٣/ ٢٠١ (٥٠٥٤) و (٥٠٥٥)، وفي شرح مشكل الآثار ١١/ ٥١٣ من طريقين عن الحارث بن الأزمع العبدي الوادعي، به.
(٣) سلف تخريجه.
(٤) نقله عنهم الطحاوي في مختصر اختلاف العلماء ٥/ ١٨٩، وينظر: الأوسط لابن المنذر ١٣/ ٤٣٧، ٤٤٨، وتحفة الفقهاء لعلاء الدين السمرقندي ٣/ ١٣٣.
(٥) المدوّنة ٤/ ٦٤٦. وينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٥/ ١٨٩، وبداية المجتهد لابن رشد ٤/ ٢١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>