للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: كلُّ مَن أوجَبَ الحُكمَ بالقَسامةِ من علماءِ الحجازِ والعراق، فهم في ذلك على معنَيين وقولَين؛ فقومٌ أوجَبوا الدَّيةَ والقَسامةَ بوُجوبِ القتيلِ فقط، ولم يُراعُوا معنًى آخر، وقومٌ اعتبروا اللَّوْثَ، فهم يطلُبون ما يغلِبُ على الظنِّ وما يكونُ شُبهةً يُتطرَّقُ بها إلى حراسةِ الدِّماء، ولم يطلُبوا في القَسامةِ الشهادةَ القاطعةَ ولا العلمَ البتَّ، وإنما طلَبوا شُبهةً وسمَّوهُ لَوْثًا، لأنه يَلطَخُ المُدَّعَى عليه، ويُوجبُ الشُّبهةَ، ويتطرّقُ به إلي حراسةِ الأنفُسِ وحقْنِ الدِّماء، إذ في القِصاصِ حياةٌ، والخيرُ كلُّه في ردْع السُّفهاءِ والجُناة. وقد قدَّمنا عن مالك وغيرِه هذا المعنى، فلذلك وردَت القَسامة، واللّهُ أعلم، ولا أصلَ لهم في القَسامةِ غيرُ قصّةِ عبدِ الله بنِ سَهْل الحارثيِّ الأنصاريِّ المقتولِ بخيبر، على ما قد ذكَرنا من الرواياتِ بذلك على اختلافِها مُوعَبةً واضحةً في هذا الباب. والحمدُ للّه.

وفي ردِّ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الأيمانَ في القَسامةِ دليلٌ على ردِّ اليمينِ على المدَّعي إذا نكَل المُدَّعَى عليه عنها في سائرِ الحقوق، وإلى هذا ذهَب مالكٌ والشافعيُّ في ردِّ اليمين، وهذا أصلُهم في ذلك.

وأما أبو حنيفةَ وأهلُ العراق فهم يَقضُون بالنُّكول، ولا يرَونَ ردَّ يمينٍ في شيءٍ من الحقوقِ والدعاوى. والقولُ بردِّ اليمين أوْلى وأصحُّ؛ لما رُوِيَ من الأثرِ في ذلك، وأما النُّكول، فلا أثرَ فيه ولا أصلَ يعضُدُه، ولم نرَ في الأصولِ حقًّا ثبَت على منكرٍ بسببِ واحد، والنُّكولُ سببٌ واحدٌ، فلم يكنْ بدٌّ من ضَمِّ شيءٍ غيرِه إليه، كما ضُمَّ الشَّاهدُ إلى شاهدٍ مثلِه، أو يمينِ الطالب، واللّهُ الموفقُ للصواب (١).


(١) جاء في آخر الورقة (١٧١) من الأصل: "تم السفر العاشر من كتاب التمهيد بحمد الله وعونه يتلوه إن شاء الله في أول الحادي عشر حديث ثان وعشرين ليحيى بن سعيد، يحيى عن عدي بن ثابت حديثان.

<<  <  ج: ص:  >  >>