للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإلى هذا ذهَب مَن قال: إنَّ المجوسَ كانوا أهلَ كتابٍ. وأكثرُ أهلِ العلم يأبَون ذلك، ولا يُصحِّحون هذا الأثرَ، والحجةُ لهم قولُ الله تبارك وتعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: ١٥٦] يعني اليهودَ والنَّصارى، وقولُه: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [آل عمران: ٦٥]، وقال: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} [المائدة: ٦٨]. فدَلَّ على أنَّ أهلَ الكتاب هم أهلُ التوراةِ والإنجيل؛ اليهودُ والنصارَى لا غيرُ، واللهُ أعلمُ.

وأمّا قولُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سُنُّوا بهم سُنَّةَ أهل الكتاب"، فقد احتَجَّ مَن قال: إنّهم كانوا أهلَ كتابٍ؛ بأنّه يَحتملُ أن يكونَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أراد: سُنُّوا بهم سنّةَ أهل الكتاب الذين يُعلمُ كتابُهم علمَ ظهورٍ واستفاضةٍ. وأمّا المجوسُ، فعِلْمُ كتابِهم على خُصُوصٍ. والآيةُ محتملة للتأويلِ عندَهم أيضًا، وأيُّ الأمرين كان، فلا خلافَ بينَ العلماءِ أنَّ المجوسَ تُؤخذ منهم الجزيةُ، وأن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أخَذَها منهم، فأغنَى عن الإكثارِ في هذا.

وقد روَى عبدُ الرَّزَّاق (١) عن ابن جُرَيْج، قال: قلتُ لعطاءٍ: المجوسُ أهلُ كتابٍ؟ قال: لا.

وأمّا الآثارُ المتصلةُ الثابتةُ في معنى حديث مالكٍ في أخْذِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - الجزيةَ من المجوسِ، فأحسنُها إسنادًا ما حدَّثناه سعيدُ بنُ نَصْرٍ، قال: حدَّثنا قاسمُ بنُ أصبغَ، قال: حدَّثنا إسماعيلُ بن إسحاقَ، قال: حدَّثنا إسحاقُ بن إبراهيمَ،


= ونقل البيهقي قول ابن خزيمة في توهيم ابن عيينة في هذا الإسناد فقال: وهم ابنُ عيينة في هذا الإسناد، رواه عن أبي سعد البقال فقال: عن نصر بن عاصم، ونصر بن عاصم هو الليثي، وإنما هو عيسى بن عاصم الأسدي الكوفي، قال ابن خزيمة: والغلط فيه من ابن عيينة لا من الشافعي، فقد رواه عن ابن عيينة غير الشافعي فقال: نصر بن عاصم.
(١) المصنف (١٠٠٢٣) و (١٩٢٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>