للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما مالكٌ، فساقَه سِياقةً حسَنةً، وكان حافظًا رحِمه الله.

وروَى هذا الحديثَ حَمّادُ بنُ سَلَمة، قال: حدَّثنا إسحاقُ بنُ عبدِ الله بنِ أبي طلحة، عن أنسِ بنِ مالك، أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال يومَ حُنين: "مَن قتَل كافرًا فلَهُ سَلَبُه". فقتَل أبو طلحةَ عشرينَ قتيلًا، وأخَذ أسْلابَهم، وقال أبو قتادة: يا رسولَ الله، إنِّي ضرَبتُ رجلًا على حِبالِ العاتقِ وعليه دِرْعٌ، فأُعْجِلْتُ عنها أن آخُذَها، فانظُرْ مع مَن هي؟ فقام رجلٌ فقال: أنا أخَذتُها، فأرْضِه منها أو أعْطِنيها. فسكَت رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان لا يُسألُ شيئًا إلا أعطاهُ أو سكَتَ. فقال عُمرُ: لا يَنزِعُها من أسدٍ من أُسدِ الله ويُعطيكَها. فضحِكَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "صدَق عمرُ" (١).

وفي حديثِ أبي قتادةَ هذا من الفقه: معرفةُ غَزاةِ حُنين، وذلك أمرٌ يُستَغْنى بشُهرتِه عن إيرادِه، ولولا كراهتُنا التطويلَ لذكَرْنا هنا خبرَ تلك الغَزاة، وقد ذكَرنا ذلك في كتاب "الدُّرَر في اختصارِ المغازي والسِّير" (٢).

وفي هذا الحديثِ دليلٌ على أن المُسلمين هُزِموا يومَ حُنين، وأنهم كانت لهم الكَرَّةُ بعدُ والظَّفَرُ والغَلَبةُ، والحمدُ لله، وقال اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} الآية إلى قوله: {وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [التوبة: ٢٥ - ٢٦].

وفيه دليلٌ على موضع أبي قتادةَ من النَّجْدةِ والشجاعة.

وفيه أن السَّلَبَ للقاتل، وهذا موضعٌ اختلَف فيه السلفُ والخلفُ على وجوهٍ نذكرُها إن شاء الله، ولهذه النُّكتةِ وهذا المعنى جُلِبَ هذا الحديثُ ونُقِل؛


(١) سيأتي بإسناد المصنِّف من هذا الوجه مع تخريجه.
(٢) الدُّرر في اختصار المغازي والسِّيَر، ص ٢٢٣ - ٢٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>