للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يُرْوَ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- شيءٌ يدفَعُه، إلا أن أكثرَ العلماءِ يقولون: إن ذلك خُصوصٌ لأصحابِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-.

واعتلُّوا بأنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- إنما أمَر أصحابَه بأن يفسَخُوا الحجَّ في العُمرة، ليُريَ الناسَ أنَّ العُمرةَ في أشهرِ الحجِّ جائزةٌ؛ وذلك أنَّ قريشًا كانت تراها في أشهُرِ الحجِّ من أفجَرِ الفُجور، وكانت لا تستجيزُ ذلك البتة، وكانت تقول: إذا خرَج صَفَر -وكانوا يجعلون المُحَرَّمَ صَفَر (١) - وبرَأ الدَّبَر (٢)، وعفا الأثَر، حلَّت العمرةُ لمن اعتَمَرْ. فأمَر رسولُ اللّه -صلى الله عليه وسلم- صحابَه مَن لم يكنْ منهم معه هَدْي أن يفسَخَ حجَّه في عُمرة، ليعلمَ الناسُ أنه لا بأسَ بالعمرةِ في أشهرِ الحجِّ.

واعتلُّوا بقولِ اللّه عزَّ وجلَّ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦]. وهذا يُوجبُ إتمامَ الحجِّ على كلِّ مَن دخَل فيه، إلا مَن خُصَّ بالسُّنةِ الثابتة، وهم أصحابُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- على الوجهِ الذي ذكَرنا.


(١) قال النوويُّ في شرح صحيح مسلم ٨/ ٢٢٥: "هكذا هو في النُّسخ: صَفَر من غير ألف بعد الراء، وهو منصوبٌ مصروفٌ بلا خلاف، وكان ينبغي أن يُكتب بالألف، وسواءٌ كُتب بالألف أم بحذفها لا بدَّ من قراءته منصوبًا لأنه مصروفٌ".
قلنا: وقد خالف أبو عُبيدة معمر بن المثنى صاحب مجاز القرآن أهلَ اللغة جميعًا فكان يصرفه فيما ذكر ابن سيده في المحكم ٨/ ٣٠٧، قال: "قال ثعلب: الناس كلُّهم يصرفونَ صفرًا إلّا أبا عُبيدة فإنه قال: لا ينصَرِفُ، فقيل له: لمَ لا تَصْرِفْهُ لأنّ النّحوِّينَ قد أجمعوا على صرْفِه وقالوا: لا يمنع الحَرْفَ من الصّرْف إلّا عِلّتان، فأخبِرْنا بالعِلَّتين فيه حتّى نتَّبعَكَ، فقال: نعم، العِلّتان: المعرفةُ والساعة" قال ابن سيده: "قال أبو عمر -يعني المطرزيَّ-: أراد أنّ الأزمنة كلَّها ساعاتٌ، والساعاتُ مؤنّثة".
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح ٣/ ٤٢٦: "ويجعلون المحرّم صفر"، كذا هو في جميع الأصول من الصحيحين ... ، وحديث ابن عباس حُجّة قويّة لأبي عُبيدة". قلنا: وحديث ابن عباس هذا سيأتي تخريجه بعد قليل.
(٢) قوله: "إذا برأ الدَّبَر" الدَّبَرُ بالتحريك: الجُرْح الذي يكون في ظهر البعير. وقيل: هو أن يقرح خُفُّ البعير. النهاية ٢/ ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>